طاقة واقتصاد

كتاب القرار..

فكّر استراتيجياً بمساعدة خمسين نموذجاً إدارياً

  • the decision book cover

يسعى الكاتبان البريطانيان مايكل كروغيرس ورومان تشجابلر في مؤلفهما «القرار» (The Disicion)، إلى مساعدة القرَّاء وبخاصة المسؤولين الإداريين منهم، على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب. ومساعدة الكاتبين ليست على طريقة تقديم النصائح بأن افعل هذا ولا تفعل ذاك، بل بطريقة مبتكرة تقوم على جمع كثير من النماذج (modules) الإدارية المشهور منها والمغمور على حد سواء، وتقديمها مصحوبة برسوم توضيحية بين دفتيّ الكتاب الذي لا يتجاوز عدد صفحاته الـ 150 من القطع الصغير. علي الضويلع يغوص في ثنايا الكتاب الصادر حديثاً عن دار بروفايل في لندن، مستعرضاً أبرز نماذجه التي تتفاوت بين المعقد والبسيط والبدائي والحداثي، ومسلطاً الضوء على هذه الأدوات العملية التي تساعد إنسان هذا العصر على اتخاذ القرارات.

يستهل الكتاب رحلته عبر هذه النماذج التي جمعها المؤلفان، مايكل كروغيرس ورومان تسشجابلر، بتوجيهات بسيطة حول طريقة قراءة الكتاب، ويذكران أنه يستهدف أولئك الذين يتعاملون مع آخرين بصفة يومية، لأن مثل هؤلاء ستواجههم مواقف تحتم عليهم إيجاد أجوبة لأسئلة مثل: كيف أتخذ القرار الصحيح؟ وكيف أحفِّز نفسي أو الآخرين؟ وكيف أغيّر الأشياء؟ وكيف أحسن أدائي أكثر؟ بل أبعد من ذلك، إذ يطرح الكتاب أسئلة أكثر علاقة بالذات، مثل: ماذا يقول عني من هم حولي؟ وهل أعيش اللحظة؟ وماذا أريد؟
يقسَّم الكتاب إلى أربعة فصول. كل فصل يحتوي على مجموعة من النماذج التي تعالج جانباً مهماً في الذات وفي العلاقات, وهي على النحو التالي:
• 
الفصل الأول يجيب عن تساؤل: كيف تحسّن أداءك؟
• الفصل الثاني: كيف تفهم ذاتك؟
• 
الفصل الثالث: كيف تحدد علاقاتك بالآخرين؟
• 
والفصل الرابع: كيف تحسن من أدائهم؟

نماذج لتغذية العقل بالأفكار
هل سمعت بمبدأ باريتو؟ ومصفوفة آيزنهاور؟ ونموذج الشجرة العائلية؟ ونافذة جو هاري؟ نموذج البوصلة السياسية؟ كذلك هل تعرف نموذج الجبنة السويسرية ذات الثقوب؟ والتفكير خارج الصندوق؟ ونموذج الذيل الطويل؟ وهرم ماسلو؟ ونظرية البجعة السوداء؟ في الكتاب -الصغير الحجم نسبياً- أورد الكاتبان أفضل نماذج اتخاذ القرارات المعروفة جيداً وغير المعروفة التي ستساعد القارئ والباحث في الإجابة عن أسئلة تدور في فلك الأسئلة المذكورة أعلاه، وذلك بالكلمات والرسوم أيضاً. لا يعدك الكتاب -على رغم ذلك- بأجوبة مباشرة، بل يوفر نوعاً من «تغذية الفكر».

كيف تقرأ الكتاب؟
إن الكتاب مصمم بطريقة تتيح التعامل معه بأسلوب عملي, حيث ينصح بنسخ النماذج الواردة فيه وتوزيعها على مشاركين في جلسة عمل أو نقاش. هو كتاب يقترح عليك مؤلفاه أن تستخدمه أكثر من أن تقرأه. وفي ملاحظة لطيفة، يلمح الكتاب إلى وجود طريقتين لقراءته: الطريقة الأمريكية أو الطريقة الأوروبية. فالأمريكيون يميلون إلى أساليب التجارب «الخطأ وتصحيح الخطأ ثم إعادة التجربة» وصولاً إلى صياغة النظرية، في هذه الحالة, من الجيد أن تبدأ بقراءة الفصل الخاص بـ «كيف تحسن أداءك؟». على الجانب الآخر، فإن الأوروبيين يميلون إلى منهج آخر في معالجة المسائل, وهو أنهم يحشدون كل الطاقة في صياغة النظرية، بعدها يستهلون الفعل العملي، إذا لم يكتب لهم النجاح يقومون بالتحليل، ثم يعيدون صياغة النظرية ويعيدون التجربة من جديد. إذا كنت تميل إلى هذا الأسلوب فمن الأفضل البدء بالفصل الذي يقول: «كيف تفهم ذاتك؟»

مأزق النمذجة
يقول الكتاب إننا عندما نواجه معضلة، فإننا نحاول البحث عن طرق لتمثيلها وسبر أغوارها والتعرف إلى أبعادها، نحاكيها على الورق مثلاً على هيئة مدخلات ومخرجات. النمذجة تساعدنا في تقليل تعقيدات الواقع أو الحالة, وهذا يساعدنا كذلك في التركيز على الأمور الأكثر أهمية. بالمقابل، فإن أعظم أوجه الانتقاد الموجهة للنمذجة هو أنها لا تعكس الواقع تماماً، وفي رأي الكتاب أن هذا صحيح, لكن من غير الصحيح أن يدفعنا ذلك إلى عدم التفكير والبحث عن الأفكار بمساعدة وسائل تسهل تصور الواقع.

طبيعة النماذج في الكتاب
بعد هذه السلسلة من التوجيهات, يُعرّف الكتاب النماذج الواردة في الكتاب على أنها نماذج: بسيطة، «وصولية» تركّز على الغاية وعلى اكتشاف الطريق الأكثر عملية، هي نماذج تنفيذية تلخّص بعض الأعمال المعقدة على أرض الواقع وتحاول حصر متغيراتها العديدة، نماذج بصرية مدعمة بالرسوم التوضيحية، وهي منتظمة، لا تعطيك الأجوبة بل تطرح الأسئلة التي تدفعك للتفاعل معها.
ومن اللافت, وجود هامش في كل نموذج أورد فيه الكاتبان مقولات إدارية وذاتية تصب في قناة الإلهام والحكمة، حيث تجد أقوالاً منسوبة لمعروفين ومجهولين، كتلك التي تقول لك «أن تأتي متأخراً أفضل من ألا تأتي أبداً»، وقد تكون المقولة على شكل سؤال موجَّه للقارئ مثل: «متى كانت آخر مرة قمت فيها بشيء لأول مرة في حياتك؟»، واقتباسات لشخصيات شهيرة مثل «الدون كورليوني» من فيلمه السينمائي العرّاب، حيث يقول: «إن الرجل الذي لا يمضي وقتاً مع العائلة ليس رجلاً!».

نماذج لافتة
قد يكون مناسباً في صلب استعراض هذا الكتاب, المرور باختصار على بعض النماذج اللافتة حتى تكتمل الصورة لدى القارئ المهتم, ففي نموذج «فخ القدرات الشخصية», يطرح عليك سؤالاً مفاده: ما مدى استعدادك لتقبل توقعاتك الذاتية عن أدائك وتكتشف أنها أقل من توقع الآخرين؟
النقاش حول هذا السؤال يرصد مراحل يمر بها الإنسان الموهوب، ويلقي الضوء على التجنّي الذي قد يواجهه عندما يمدحه من حوله، وكذلك قد يقع فريسة وضحية لهذا المدح، لأن ما يقوله الآخرون ربما يحد من إمكاناته وقدراته وفرصه بلا وعي منه، حيث إن ما يقوله الآخرون يغدو كالإطار الذي يتبلور في ذهنه ويصعب عليه تجاوزه وقد لا يستطيع كسره!
ويعالج النقاش حول السؤال قضية أخرى، وهي علاقة الموهوب بالبشر من حوله، ممن يختلفون عنه، والبشر مختلفون بالتأكيد، بالذات اختلافه عن أولئك الذين يحاولون -جاهدين – تغطية نقاط ضعفهم بالكد الشديد والعمل الذي لا يتوقف، يعملون بتعب ولا يعملون بذكاء. على خلافه هو، الذي يحقق نتائجه بطريقة أقل تعباً وأكثر ذكاءً، يمكننا تصنيفه بأنه عقلي التدبير وغيره بدني التدبير.
وفي هذا النموذج رسم توضيحي رائع -والكتاب مليء بها كما ذكر آنفاً- يشرح مراحل التطور التي يمر بها الفرد الموهوب عادة، ويلقي الضوء على أماكن الإنجاز، وأماكن الإخفاق المتوقعة، وكذلك مراحل الانطلاق. في النهاية النموذج يتوّج أفكاره بفكرة ذهبية وهي: التزم بتقديم 80 بالمئة وقدم 120، دعهم يتوقعون الأقل وفاجئهم بأكثر من المتوقع.
وفي نموذج منسوب إلى الرئيس الأمريكي دوايت آيزنهاور ويسمى بـ «مصفوفة آيزنهاور», نجد طريقة واضحة للتعامل مع المهام المتعددة, فهناك بداية تصنيف لها, وذلك على النحو التالي: مهمة عاجلة، غير عاجلة, مهمة ذات أهمية عالية ومهمة ذات أهمية منخفضة. هنا يقترح النموذج: أن تقوم بالمهمة العاجلة ذات الأهمية العالية فوراً وبنفسك, وتفوض القيام بالمهمة العاجلة وذات الأهمية المنخفضة إلى شخص آخر, بينما تحدد وقتاً لأداء المهمة غير العاجلة ذات الأهمية العالية، وأن تتجاهل تماماً تلك المهمة غير العاجلة وغير المهمة وتقوم بها في وقت لاحق!
وهناك نموذج مدهش آخر, هو نموذج «الشراع», أو نموذج الأداء الشخصي، وأبرز تطبيق لمثل هذا النموذج هو في محاولة الإجابة عن سؤال يقول: هل أنت راضٍ عن وظيفتك؟، لأن العديد من الناس قد يتساءل، كيف أقيس مدى رضائي عنها؟ بل ومتى أقرر أنه حان الوقت للانتقال منها وتركها؟
قد يكون شرح طريقة تطبيق النموذج على هذا العجالة أمراً يصعب فهمه, لكن الشرح جدير بالذكر. فهذا النموذج ببساطة يوجهك إلى متابعة نفسك على مدى ثلاثة أسابيع، في أمسية -وبعد يوم العمل- تقوم بالإجابة عن ثلاثة أسئلة، وتسجيل درجة واحدة تمثل مدى مطابقتها لحالتك في تلك اللحظة. الأسئلة هي: إلى أي مدى أنا مطلوب لأداء مهم في الوظيفة؟ إلى أي مدى تناسبني المهام الموكلة إلي, وذلك قياساً على قدراتي؟ إلى أي مدى يرتبط ما أقوم به من مهام، مع الشيء الذي أريد في الحقيقة؟
بعدها ترسم ثلاثة أبعاد متعامدة بعضها على بعض، ويكون كل بعد محوراً تسجل عليه كل نقطة تسجلها عن كل يوم ينطبق عليها الوضع الذي تريده, ستجد أنه سيتشكل «شراعاً» يشير إلى أنك في حركة مستمرة، على أساس اتساع الشراع أو صغر حجمه, فالأجوبة الموافقة تعني وجود قوة دافعة تجعلك تستمر فيما تقوم بعمله, وحيث إن الصعود والهبوط هو من طبيعة العمل، مثل ركوب الأمواج وأنت على قارب وبه شراع تدفعه الريح إلى الأمام، ستجد أنك تستطيع اتخاذ القرار, معلناً أنك تبحر ولست واقفاً ولا تحتاج إلى تغيير قاربك أو شراعك!
كذلك وفقاً لنموذج مدهش اسمه: «ماذا يقول عنك الآخرون؟», يمكن للكتاب أن يساعدك في معرفة نوع علاقاتك؟ ماذا يقول الناس عنك أيضاً؟ حيث يطلب منك ببساطة أن تراجع قائمة عناوينك في هاتفك, واحسب عدد الأشخاص في قائمتك أكبر منك أو أصغر منك سناً؟ كم منهم أغنى منك أو أنت أغنى منهم؟ كم منهم أجانب وكم منهم من جنسية ما؟ كم واحد منهم تعتقد أنك مهتم به، وكم واحد منهم تعتقد أنه هو مهتم بك؟ ومن هنا سيتولد عنك توقع عن انطباعات من حولك, وكأنك تنفصل عن نفسك وتراقبها من الخارج.

أختم هذا العرض بنموذج آخر مثير للاهتمام من الخمسين نموذجاً التي احتواها الكتاب, اسمه «التساؤل المتفهم» أو Appreciative Inquiry، والذي يطرح فيه أحد خبراء الإدارة أسلوباً مختلفاً في طرح سؤال شهير يستخدم للتشخيص, فبدلاً من طرح سؤال «ما هي المشكلة؟» لم لا نصيغه بالشكل التالي: «ما الشيء الذي يجري بشكل جيد الآن؟». هذا التساؤل يساعدنا في البحث عن العناصر الفعالة في العملية التي تتم الآن, والتركيز على استمرارها وتنميتها بدلاً من التركيز على المشكلة, لأن هذا التركيز على المشكلة يخلق تصوراً سلبياً عن القضية المطلوب تشخيصها، وعلى سياق متصل بالنموذج يقترح تصنيف الناس حيال تلقيهم الاقتراحات بخصوص مقترح تحسيني ما إلى الأنماط التالية:
• شخص يقول: «هذا اقتراح جيد، لكن…»، وهذا هو الشخص الذي يكتشف الأخطاء.
• شخص آخر تكون ردة فعله تجاه الاقتراحات على النحو التالي: «لا، هذا الاقتراح غير صحيح بسبب كذا وكذا»، وهذا هو الشخص الذي يشبه شخصية المدرس -الباحث عن الأخطاء- في المدرسة.
• ثالثهما هو الشخص الدكتاتوري الذي يواجه أي اقتراح بكلمة واحدة فقط: «لا» !
• أما الأخير فهو الشخص الذي يقول مقابل كل اقتراح، «نعم, من الممكن القيام بهذا الأمر ولكن هل يمكن إضافة كذا أو تعديل كذا»، هذا الشخص هو المتسائل المتفهم Appreciative Inquirer.

النمذجة الآن وفي المستقبل
قبل نهاية الكتاب يُطرح تساؤل ملحّ، هذا التساؤل يعالج فكرة النماذج المقبلة في المستقبل، ما هو دور مثل هذه النماذج التقليدية -إن صح التعبير- التي وردت في الكتاب عند اتخاذ القرار في ظل تسارع وتقدم علمي مذهل؟ وفي ظل «ثقافة ثالثة» تعيد تشكيل تعريف كلمة عالم وكلمة مثقف وكلمة تقنية وأدب وعلوم. وباستطراد يسهب الكاتبان في حكاية قصة ظهور النمذجة مع ظهور أدوات تساعد فيها، ومن أبرزها برامج معالجة الخلايا، جداول البيانات (spread sheets) على سبيل المثال، هذه النماذج ساعدت الإداريين في وقت ما على تحويل الواقع إلى بُعد أكثر اختصاراً ويحمل عدداً محدداً من المتغيرات, ويساعد في التركيز أكثر على القضية وحلها، لكن هذا الأمر -للأسف- يعني إغفال بقية المتغيرات كما ذكرنا من قبل، فلا يمكن لأي نمذجة أن تكون مطابقة للواقع، وهنا يجب أخذ الحذر والانتباه.
هذه النماذج هي أدوات تساعدنا وتفيدنا في الفهم لكنها بعيدة عن تعقيدات الواقع. عالم نظريات الإدارة هذه الأيام يشبه إلى حد كبير حال مهنة الطب قبل استخدام الأشعة السينية, والتي ساعدت الأطباء في تشخيص حقيقي لباطن الإنسان. ومن المثير أن نعلم أنه يجري حالياً استخدام الهندسة الجينية أو ما يسمى بالشبكات الذكية العصبية التي تتعلم ذاتياً بالتجربة والتفاعل مع البشر, في دراسة وتحقيق النظريات الإدارية, وهناك أمثلة مبهرة على مثل هذه التجارب، حيث توجد حواسيب آلية متقدمة القدرات في التحليل تقوم بتحليل نفسيات وأفكار المتسوقين على الإنترنت من خلال خياراتهم، هذا الأمر يجري استخدامه من قبل شركة «فيزا» العالمية، حيث يقوم الكمبيوتر بتوفير الخيارات والأجوبة حتى قبل طرحها أو طلبها من قبل المستخدم بناءً على سلوكه السابق! ومن بعد الحديث هذا قد يقول قائل، ربما كانت النماذج الخمسين المذكورة في الكتاب بدائية وغير مناسبة لتعقيدات عالمنا اليوم، هنا يأتي الجواب الجميل بأن الطبيب وحتى يومنا الحاضر، يكفيه أن يتحدث مع المريض ويسأله عما يشعر به ويكفي ذلك في تشخيص صحيح وسليم، وبالتالي فإن النماذج الإدارية الأساسية إن صح التعبير والمذكورة في الكتاب هي قاعدة مهمة ونقطة انطلاق مفيدة جداً، عملية لنعرف ذواتنا، وتحسين أدائنا، وأن نعرف الآخرين ونحسن من أدائهم.

بناء نموذجك الشخصي
كل ما سبق تجده في طيات الكتاب المتوسط الحجم والبالغ عدد صفحاته 150 صفحة تقريباً من القطع الصغير. ليس هذا فحسب، بل إن الكتاب يرشدك -في ضوء النماذج العديدة التي يحفل بها- للقيام ببناء نموذج يخصك أنت، ويساعدك حتى في عملية تدعيمها بالرسوم التوضيحية، وفي النهاية يفسح لك المجال حتى تستغل وريقات بيضاء في نهاية الكتاب لتدوين نماذجك الخاصة وتطويرها، وهو بهذه الخطوة يؤكد ما ذكر سابقاً من أن الكتاب لا يقرأ فقط بل هو كتاب عملي يعطي أفضل النتائج عند استخدامه في النشاطات الإدارية اليومية، الذاتية والعامة.

أضف تعليق

التعليقات