أقول شعراً

إلى امرأة لا أعرف من اسمها سوى أمي

عَبدالله المحسن

كيف يمكن لآخر الأبناء أن يعيد لوالدته شعورها الطبيعي بالحياة؟
أن يبعد عنها الأشباح في الليل؟
أن يخبرها بأن الباب موصد، ولا أحد في الخارج ولا حرائق في الأعلى؟

أعيش في المنزل مع والدتي وأشباح كثر لا أعرفهم، وموتى أعرفهم جيداً بأسمائهم، وما تتذكره والدتي عنهم. أحياناً لا أكون موجوداً، أستيقظ صباحاً، فتبدأ أمي بسؤالها عنِّي، إنها لا تتذكرني، تعتقد أنَّ لي ملامح أخرى قديمة. منذ آخر موتاها وأمي تعيش لحظات قديمة، تعتقد أحياناً أن والدها لا يزال فوق النخلة. أو أنها تسمع صوت بكاء أختها الصغيرة التي توفّيت طفلة. هكذا تقضي أيامها تعالج بالفراغ حضور الموتى في الروح والذاكرة.
كتبت هذا النص في 2013 قبل صدور مجموعتي الأولى. أكتب لأمي دائماً، أقول أحياناً ما أتوهمه معها وما تعيشه. كتبت لها كثيراً عن طقس الغسيل وعن “الموتى الجميلون”.

“الآن أمي تكبر كلَّ إخوتها الموتى / تصنع لأختها الصغيرة ضفائرها / تعدُّ الحلوى لإخوتها الصغار / تقدِّم لهم في كل صباح حقائبهم المدرسية / وتوصلهم حتى المقبرة”.
كانت تقوم بكل هذا، ترتدي عباءتها وتقول إنها ذاهبة لتوصل أحد إخوتها للمقبرة بعد مجيئه. ومنذ أن توقفت أيضاً عن صعود درج البيت بدأت تشعر بأن الأشباح يفتعلون الحرائق في الأعلى، وهي لا تحب أن يغيب جزء من البيت عن حواسّها.
أكتب كل هذا لأنه أدخلني الشِعر، لأن كل تلك الحالات جعلت منِّي هكذا. ولا أحب أن أنتهي منه. أودُّ دائماً أن أكون داخل هذه الحميمية التي أنظر منها إلى قصائدي حتى وإن كانت تعرَية لذاتي. وسأظل أكتب كل هذا حتى أحتفظ بالملامح التي تعرفني بها أمي. ملامح آخر أطفالها.

إلى امرأة لا أعرف من اسمها سوى أمي

كيف تحسنين تربية موتكِ
تنتظرين حتى ينام الجميع
ثم تذهبين للنوم
بعد تأكدكِ أن نوافذ المنزل مغلقة جيدا
وأن الباب موصود بإحكام
خلفه حارسٌ يعوي كلما حاول أحدهم الاقتراب
أو مناداة الموتى بأسمائهم
تضعين الشمس في كفكِ
حتى تشعلينها كل صباح
متأكدة أن والدكِ لا يزال فوق النخلة
ولم يسقط بعد
وأن أختكِ الصغيرة لا تزال في حجرِ أمها
ولم تتركها وحدها قبل أن تتوقف عن البكاء
تحاولين كل مرة
لأنهم قادمون
لا تحبي أن يروكِ هكذا
عاجزة عن الحركة
وكلما تأخروا في المجيء عن المجيء تذهبين إليهم
تحاولين إيقاظهم
وتخبرينهم بوحدتكِ
وأنكِ كلما حاولتِ النوم
هذا الموت
لا يجيء

شاعر سعودي حاصل على جائزة هيئة الشباب بتروجيو ميلانو / إيطاليا 2013، صدرت له مجموعة شعرية “يترجل عن ظهره كخطأ كوني” عن دار مسعى البحرين 2014. يدرس تخصّص اللغة الإنجليزية في جامعة الملك فيصل.

أضف تعليق

التعليقات