نقاش مفتوح

من نشأته في جدة قبل سنوات إلى تحدِّياته الحاضرة والمستقبلية

سوق الفنِّ التشكيلي في المملكة

كيف هو حال سوق الفن في المملكة؟ وبماذا يختلف عن أسواق الفن في أوروبا مثلاً؟ وهل ما نسمعه عن المبالغ الطائلة التي تُدفع لأعمال بعض الفنانين هو مؤشر حقيقي عن ازدهار هذا السوق؟ وما هي أشكال الاقتناء التي راجت في بلادنا خلال السنوات الأخيرة…؟ هذه بعض الأسئلة التي طرحتها القافلة خلال جلسة نقاش عقدتها في 25 مارس 2017، تحت عنوان “مستقبل سوق الفنِّ التشكيلي في المملكة ـ الواقع والاقتناء والاستثمار”، وشارك فيها كل من مدير الجمعية السعودية للفنون التشكيلية (جسفت) فرع جدة هشام بنجابي، والدكتور والباحث الأكاديمي في الفنِّ التشكيلي السعودي عصام عسيري، والفنان ومدير صالة داما آرت أحمد حسين، والإعلامي المهتم بالفنِّ التشكيلي حسين باجابر، والفنان ومدير جاليري نسما آرت محمد العبلان، ومدير جاليري أتيليه جدَّة هشام قنديل، والفنان التشكيلي المعاصر أيمن يسري، وأدارها وحرر وقائعها الزميل خالد ربيع

بدأت الجلسة بكلمة ترحيب جاء فيها: لا نعرف إن كان موضوع سوق الفنِّ في المملكة قد طرح من قبل أم لا، وإذا لم يطرح فستكون مجلة القافلة سبَّاقة في ذلك، علماً بأن مجلة القافلة في مرحلة أولى من صيغتها الحديثة ركَّزت على التصوير الفوتوغرافي فقط، ولكن في المرحلة الجديدة اهتمَّت بالفن التشكيلي من خلال باب “فرشاة وأزميل”. لعل ذلك مهمٌ باعتبار أنَّه في السنوات العشر الأخيرة استجدت بعض الظواهر التي سلطت على الفنِّ التشكيلي السعودي، وحدث ذلك فجأة وبدون سابق إنذار، وربما قيام معرض “إيدج أوف آرابيا” ثم ظهور “مجلس الفنِّ السعودي”، ثم نشوء عدة جاليريات، وتبعها قيام معارض بشكل مكثَّف، الأمر الذي أحـدث انقلاباً كامــلاً في الفـنِّ التشكيلي، كل ذلك أكَّد تلك الأهمية، بغض النظر عن تحقيق الآمال، لذا بات من الجدير الآن مناقشة سوق الفن ومستقبله.

هل يوجد فعلاً سوق للفن التشكيلي في المملكة؟ وهل هناك عرض وطلب؟ وهل ينطبق على اللوحة الفنيَّة ما ينطبق على أي سلعة؟

نبذة تاريخيَّة؟
أجاب أولاً الدكتور عصام عسيري قائلاً: أود قبل أن نتحدَّث عن سوق الفنِّ السعودي أن أعطي نبذة تاريخيَّة عن سوق الفنِّ في العالم بشكل عام. فقد بدأت تظهر أسواق الفنّ في العالم مع ظهور الطبقة البورجوازية في أوروبا. وقبل ذلك، لم يكن هناك تصوير فوتوغرافي، فكان الفنانون يرافقون الجيوش لتوثيق المعارك والحروب، وكان المستشرقون ينقلون مظاهر الحياة في الشرق بغرض معرفة الدول التي ينوون استعمارها، وكان الرسَّامون يصورون الملوك والنبلاء الأوروبيين لإبراز عظمتهم. ولذلك لم يكن هناك سوق بالمعنى المعروف حالياً، بل كانت تدفع مكافآت للفنانين من قِبل دولهم أو من قِبل الحُكَّام.

وكان رامبرانت أول فنان قام بتسعير لوحاته. وعندما قامت الإمبراطوريَّة الفرنسيَّة، اهتمَّ نابليون بونابرت بالفنانين والرسَّامين، فصار هناك بيع وشراء ومزادات. لكنَّنا هنا في المملكة دخلنا هذا الميدان متأخرين كثيراً. فأول معرض أقيم في أوروبا كَّان في القرن السابع عشر، وأول معرض أقيم في السعوديَّة كان في عهد الملك سعود، وعندما حسبت الفارق الزمني وجدته 303 سنوات. لكن أول لوحة فنيَّة سعوديَّة بيعت لفنان سعودي كانت لمحمد السليم بمبلغ مليون ريال، وكانت بمثابة دعم لمشروع محدَّد وقتها”.

هناك مقتنٍ يعشق الأعمال الفنيَّة ولا يستثمر فيها. وفي المقابل هناك مقتنٍ مستثمر، وهو يراهن على تزايد القيمة الماديَّة للأعمال مع مرور الزمن، وقد يسوِّقها في الأسواق العالميَّة مثل لندن وباريس

وأضاف: “ثم كان أن عمل محمد سعيد فارسي، أمين مدينة جدة الأسبق، على جمع الفنان السعودي إلى العربي والعالمي، وهنا بدأنا ندخل في العولمــة. وفي وقتنا الحاضــر بيعــت أول لوحــة للفنان مهدي الجريبي بمبلغ مليون دولار، ثم تبعه عبدالناصر غارم وأحمد ماطر.

وبشكل عام، فإننا لو تتبعنا الأعمال الفنيَّة في قصر الحمراء وفي الحضارة الإسلامية في الأندلس مثلاً لوجدنا دلائل على أنَّه كانت هناك تجارة وشراء وبيع وسوق لتلك الأعمال.

أما بالنسبة لثقافة المزادات فقد بدأت قبل نحو 500 سنة قبل الميلاد في بلدة رومانيَّة تسمى بابيلون. وفي القرن الثالث عشر اجتمع بائعو اللوحات الإنجليز في مقهى وقرروا أن تكون هناك صفقات واتفاقات فيما بينهم. وبعد مائة سنة قامت دار “سوثبيز” في عام 1744م، و”كريستيز في عام” 1766م، بتنظيم مزادات لم تكن محصورة على اللوحات الفنيَّة فقط، إذ شملت أيضاً المجوهرات والتحف على أنواعها..”.

بدايات السوق السعودي
وحول نشأة صالات العرض التجارية في المملكة قال عسيري: “في عام 1990 أو 1991 أنشئت صالة “روشان” في جدَّة، وصالة “رضا جاليري”. وقبل ذلك، أي في بدايات الثمانينيات، كان قد بدأ إشراك الأجانب والعرب في معارض جمعيَّة جدَّة للفنون بجهود هشام بنجابي وسلمى الكثيري، وأقيمت حينذاك أربعة معارض.

وهنا تولَّى هشام بنجابي تقديم مزيد من التفاصيل عن المرحلة التأسيسية تلك بقوله: في تلك الفترة،عرض فنانون من مصر والسودان والعراق في جمعيَّة جدَّة للفنون، وكان محمد سعيد فارسي يحضر ويشتري عشرات الأعمال، ويعمل على توزيعها على الأماكن العامَّة والدوائر الحكوميَّة كإدارة الجوازات والمطاعم وغيرها. وكان يكرِّر دائماً: دعونا ننشر الفنَّ في الأسواق وليس في البيوت. وكان هناك أيضاً “تاج آرت” لأكرم العجة، ويساعده فيصل أبوالعينين وعبدالعزيز أبوالعينين، وبعض المهندسين والفوتوغرافيين الذين كانت لهم مشروعات مع الدولة، ومع شركة أرامكو على وجه التحديد. ثم انتقل هؤلاء مع سمو الأمير خالد الفيصل إلى أبها، وأقاموا هناك قاعة عرض للصور التي التقطوها لمنطقة عسير. وكان معهم فنان أمريكي يدعى كالدير، نفَّذ مجسماً وعرضه بمبلغ مليون ريال، ولكن محمد سعيد فارسي اشتراه فيما بعد بـ400 ألف ريال ونصبه في أحد ميادين جدَّة”.

أول لوحة فنيَّة سعوديَّة بيعت لفنان سعودي كانت لمحمد السليم بمبلغ مليون ريال، وكانت بمثابة دعم لمشروع محدَّد وقتها

وأضاف: “إن ما أقصده من سرد هذه القصة هو التأكيد على أنَّه كان هناك رواج للفنِّ التشكيلي في جدَّة. والدليل ذلك الكم الكبير من صالات العرض التي بدأت تنشأ الواحدة تلو الأخرى، حتى بلغت الآن نحو 16 أو 18 صالة عرض، والأسبوع الماضي أفتتحت في جدَّة خمسة معارض في يوم واحد. وهذا النشاط لم يأتِ من فراغ، فبسبب الذائقة الفنية الكبيرة لسكان جدَّة، وتزايد أعداد المقتنين، أصبحت هناك فئة تبحث عن الصالات الجيَّدة لاختيار الأعمال الفنيَّة.ومحبو الفن يأتون إلى جدَّة، وعديد من الجهات الحكوميَّة أيضاً يأتي إلى هنا للاقتناء من صالات جدَّة.

وأدى التطرق إلى الاقتناء إلى طرح سؤال حول الفرق بين المقتني والمستثمر، فأجاب حسين باجابر: هناك مقتنٍ يعشق الأعمال الفنيَّة ويقتني عملاً ما لأنه يحبه. وفي المقابل هناك المستثمر، وهو الذي يقتني مراهناً على تزايد القيمة الماديَّة للأعمال مع مرور الزمن، وقد يسوّقها في الأسواق العالميَّة مثل لندن وباريس، وهناك من يسوِّقها في الأسواق المحليَّة، مثل الفنادق، والشقق المفروشة، والمستشفيات والمؤسسات الخاصة، وغيرها، وبذلك أصبح للأعمال الفنيَّة قيمة آنيَّة ومستقبليَّة.

أما الفنان يسري فقد رأى أنه لا بد من أن يكون المستثمر عارفاً بحركة السوق العالميَّة، ومتأكداً من أنَّه اشترى العمل الذي سوف يرتفع ثمنه. ولكي يحدِّد المؤشرات اللازمة، لا بد له من أن يراجع سيرة الفنان ويتحقّق منها ويتأكد من العناصر القويَّة فيها مثل المتاحف التي اشترت أعماله، والقاعات التي عرضتها .. كل تلك الأمور تجعل المستثمر قوياً وواثقاً من مقتنياته التي يسوِّقها. وإذا استثمر في عمل ضعيف، فسوف يمارس كل أساليب الدعاية حتى يعلي من شأنه.

وهناك جزئيَّة تتعلَّق بتنافس عدة مقتنين على عمل معيَّن. فهنا على الجاليري أن يدرس من هم هؤلاء المقتنون ويختار أحدهم بناءً على مؤشرات عديدة، من أهمها شهرة ومكانة المقتني التي سترتفع بالعمل، وبالتالي تجعل عمليَّة التقييم والتسعير حقيقيَّة”.

وعقَّب على ذلك هشام بنجابي بقوله: تصديقاً لحديثك أستاذ أيمن، وكما أعرف، يوجد في بريطانيا ما يسمى عرض خاص أو مشاهدة خاصة، يدعى لها مستثمرون اختصاصيون من دول مختلفة، ومن شأن هؤلاء المستثمرين أن يرفعوا قيمة أي عمل إذا اقتنوه، فخبرتهم ومكانتهم تزيد الثقة في العمل”.

فقاعات صابون
وهنا كانت مداخلة لهشام قنديل علّق فيها على حديث الدكتور عصام حول الأسعار الباهظة التي بيعت بها بعض اللوحات، قائلاً: “إن ما يدور حول أنَّ هذا الفنان أو ذاك باع عملاً له بمبلغ مليون دولار هو مجرد فقاعات صابون. وإن صدقت هذه الأقوال، فهي ليست مقياساً لسعر هذا الفنان. والدليل على ذلك هو أنك لو عرضت هذه الأعمال على مقتنين متمرِّسين فلن يدفعوا ثمناً لها أكثر من خمسة آلاف ريال.. فالحقيقة هي أن أعلى سعر حقيقي وصلت إليه أعمال فنان سعودي هي أعمال الراحل عبد الحليم رضوي، وكذلك أعمال محمد السليم. هما فنانان حقيقيان والأسعار التي تباع بها أعمالهما حقيقيَّة. أما إن سمعنا أن أحد الفنانين باع بمبالغ كبيرة جداً فذلك ممكن جداً، ولكن هذا لا يعني أنَّ أسعار أعمال هذا الفنان هي بهذه المبالغ .. وكذلك، أن يكون أحد الفنانين قد باع في أحد المزادات فذلك لا يعني أنَّ هذا مقياس لأسعار أعماله، فسعر السوق الحقيقيَّة يختلف عن ذلك وتتحكم فيه جوانب عديدة”.

هل نجحت حقاً تجربة “الفن للجميع”؟
وقال قنديل: “منذ سنوات عشر، عملنا على تطوير فكرة “الفن للجميع” التي أطلقتها الأميرة جواهر بنت ماجد. واشتغلنا على فكرة “لوحة في كل بيت”، التي اختتمنا دورتها التاسعة قبل أشهر. لقد أخذنا على عاتقنا عمليَّة إدخال الفنِّ إلى بيوت الفئة التي لا تستطيع دفع مبالغ كبيرة، وعملنا على جلب مقتنين جدد. فبدأ البعض يشتري بألفي ريال، وفي السنة التالية قد يشتري بثلاثة آلاف او أربعة وهكذا. والحقيقة أن معرض “لوحة في كل بيت” عمل على تشجيع ثقافة الاقتناء”.

غير أن الفنان محمد العبلان عقَّب على ذلك فوراً بحديثه عن الفوضى التي تعم هذا السوق. وقال إن سوق الفنِّ في فوضى، حتى أنَّ فكرة “الفنِّ للجميع” لم تكتمل. فالفنانون المشاركون بأعمالهم تعمدوا عرض أعمال صغيرة، ولم يعرضوا أعمالهم القيِّمة لكي تناسب الأسعار الموضوعة مسبقاً، ولم يتغيَّر المقتنون، فهم نفسهم الذين نراهم في كل معرض، والأعمال المهمَّة يتم حجزها قبل افتتاح المعرض. وبالتالي لم يحقق المعرض هدفه في أن يكون الفن للجميع. كانت فكرة الأميرة فكرة راقية وجميلة، وهي أن يمتلك الفرد العادي أعمالاً فنيَّة بمبالغ مقدور عليها. ولكنَّها لم تُفعّل بالشكل المطلوب.

رامبرانت هو أول فنان قام بتسعير لوحاته، وعندما قامت الإمبراطوريَّة الفرنسيَّة، اهتم نابليون بونابارت بالفنانين والرسامين، فصار هناك بيع وشراء ومزادات

وواصل العبلان حديثه بالحماسة نفسها التي بدأ بها: “ليست المشكلة في ماذا نعمل، المشكلة أنَّ السوق نفسها فوضى ولا يوجد فنانون محترفون، أنت تتعامل مع فنانين هواة. قد تأتي وتشتري عملاً من فنان بمبلغ 50 ألفاً، وفي اليوم التالي تأتي وتشتري منه بمبلغ 20 ألفاً. هناك فوضى في الأسعار وفي التقييم. لا بل ليس هناك من يقيِّم أصلاً. ولكن المجلس السعودي للفن يعكف الآن على تنظيم العمليَّة بشكل جيِّد.

ماذا يعني “سعر الفنان”
وكيف يتحدَّد؟
وكان على الفنان أيمن يسري أن يُطلع الحاضرين على تجربته في تحديد أسعار أعماله، فقال: “عندما جهَّزت معرضي الأول بإشراف الفنان هشام بنجابي، وقبل افتتاح المعرض كان ربع الأعمال محجوزاً سلفاً. بدأت ببيع أعمالي بألفي ريال أوثلاثة آلاف. فقد رأى الأستاذ بنجابي أنني فنان مبتدئ ولا بد من أن أبني سعري.. وكان ذلك أول درس لي. ولطالما تساءلت: كيف يبني الفنان سعره؟”.

وروى يسري أن فترة الكساد ما بين عامي 2003 و2008 غيَّرت نوعيَّة المقتنين. “فقد انسحب المقتنون المعتبرون من السوق. وأثناء ذلك شعرت بأنَّني تحرَّرت من سطوة فكرة البيع، تحرَّرت من تنفيذ عمل فني بهدف البيع. لذلك اتجهت للتجريب وأخذت أعمل على الفنِّ من أجل الفن. أعبِّر عن أفكاري ورؤاي. إلى أن جاءت مرحلة التسعير والسوق مرَّة أخرى مع معرض “إيدج أوف آرابيا”. هي تجربة ممتازة، لأنَّها أوجدت سياقاً جديداً مقارنة بالسياق الموجود.

فقد قام “إيدج أوف آرابيا” على مفهوم الفن المعاصر، وأحدث نقلة في التفكير، وفي ما هو أصيل، وما هو مقلَّد، وما هو الفكر الذي ينطلق منه الفنان. غير أنَّ الإضافة التي أسسها “إيدج أوف آرابيا” في سوق الفن هي في المقتنين الجدد، أي الشباب أبناء المقتنين القدامى. وهؤلاء المقتنون مع الشباب الذين أنشأوا الجاليريات الجديدة كوّنوا سوقاً، وهم يمتلكون ثقافة السوق العالميَّة. لقد عاشوا فترات من حياتهم في الغرب، وهم يعرفون أنَّ دعم هذا السوق يأتي من الخارج وليس من الداخل.

وهنا كانت مداخلة لحسين باجابر قال فيها: “أودُّ أن أضيف إلى هذا أنَّ هؤلاء المقتنين وأصحاب الصالات الجديدة أطلقوا إشارة البدء للبحث عن أعمال سعوديين في الداخل. وعلى هذا النحو، جلبوا مقتنين من الخارج ليبحثوا عن أعمال سعوديَّة بعينها”.

ولكن كيف يمكن تفسير وصول بعض الأسعار إلى مئات الآلاف والملايين؟ سؤال طرحه مدير الجلسة على يسري الذي روى أن مسؤولين من دار المزاد العلني “كريستيز” شاهدوا بعض الأعمال السعودية إلى جانب غيرها من إيرانية وتركية في معرض “أرت دبي” عام 2010، وعرضوا على الفنانين نقل هذه الأعمال إلى لندن مقابل مبالغ سخيَّة، حيث هناك “جمهور متعطش لمشاهدة مثل هذه الأعمال”، وكان من بينهم عمله هو “المحارم” الذي تَمَّ تقييمه بعشرة آلاف دولار، وفي المزاد وصل ثمنه إلى خمسة وعشرين ألفاً.. ويقول يسري: “تفاجأت.. إنَّه ثمن باهظ. ولكني أجريت بعد ذلك عمليَّة تقييم مع بعض الزملاء، ورأينا أن الأمر وهم، فهذا سعر غير حقيقي، وهذا مزاد غير حقيقي، لأننا لا نعلم من الذي اشتراه. قد يكون أحد أصدقائنا من اشتراه، هناك تلاعب، انتبهوا لذلك..”.

وهنا أضاف هشام بنجابي: عرفت في بداية شبابي معلومة أثّرت في حياتي كلها، وهي أنَّ هناك مافيا لتقييم أسعار الأعمال الفنيَّة في العالم، وهي لم تنشأ اعتباطاً، لأنَّ هناك تصنيفاً ومعايير وتقسيماً للفنانين ومدارسهم المختلفة، وعندما تم تقسيم هذه المدارس أصبح لها سوق تتحكم فيها فئات معيَّنة في نيويورك وأوروبا، كما تتحكَّم في السوق العالميَّة.

متاعب ثقافة المقتنين المتمرِّسين
ثم تحدَّث أحمد حسين عن الدور الذي أداه قنديل قائلاً إنه “تدرَّج في الأسعار مع المقتنين، وأنه عمل على تثقيف المقتنين وأقنعهم بأنَّ للوحة التشكيليَّة قيمة استثمارية مثلها مثل الأراضي والعقار، وأعتقد أنَّه نجح إلى حدٍّ كبير جداً في ذلك. ولكن هؤلاء محدودون، وربما كانت علاقتهم بهشام قنديل أقوى من علاقتهم بأي مدير صالة في جدَّة”.

وأضاف حسين إن بموازاة هؤلاء المقتنين الذين يهمهم أن تكون اللوحة التشكيليَّة استثماراً، هناك مجموعة أخرى من المقتنين يعتقدون في قرارة أنفسهم أنَّهم يتفضلون عليك في افتتاح المعرض، ومن ثم يأتي أحدهم ويقول لك إنَّني أريد هذا العمل وذاك وتلك، ويحدِّد مجموعة، ثم ينتهي حفل الافتتاح ويذهب هذا المفتتح ولا يأخذ منها أي عمل. وتظل تطارده سنة وسنتين من دون فائدة.

هذه جزئيَّة من ثقافة المقتنين. أما الجزء الآخر، فإنَّه إذا وافق أن يشتري فعلياً فإنَّه يطالب الصالة بتخفيض %50 من قيمة الأعمال، وهنا إما أن توافق أو ترفض، ما يوقع مدير الصالة في مشكلة بين الفنان وبين المفتتح المقتني. وهناك نوعيَّة من المفتتحين، يأتون، لكنَّهم لا يقتنون أي عمل، وهذا النوع مريح، لأنَّه واضح من الأساس”.

وعلى إشارة حسين إلى الدور الذي لعبه قنديل، عقّب بنجابي بقوله: “استطاع قنديل في فترة ما أن يحتوي السوق بفكره. ثم انتقل إلى مصر، حيث توجد حركة لفنانين كبار، ولكن القدرة الشرائية فيها ضعيفة جداً. فعمل على جلب أعمال فنانين مصريين وتسويقها في المملكة بأسعار متوسطة ما أدى إلى شيء من التذوق، لكنه قد يكون أضر بالسوق السعوديَّة إلى حدٍّ ما. فلماذا لم يعرض لفنان سعودي؟”.

السراج: الجيل المقبل من المقتنين سيكون أدرى
تعذّر على الإعلامية المهتمة بشؤون الفن التشكيلي مها السراج حضور الجلسة، غير أنها بعثت إلى المشاركين بورقة عبَّرت فيها عن رأيها بأن سوق الفن في المملكة “لا يزال يعيش حالة عدم استقرار. فعلى الرغم من وجود عدد كبير من الروَّاد، إلا أن المشهد يتخبط بوجود أسواق تتحرَّك على الهامش. ففي الأسواق التجارية يظهر فنانون مجهولون يغرقون المشهد بأعمال منقولة ومستنسخة ورديئة، ما يضعف الثقة لدى الجمهور المثقف في متانة السوق الفني وقدرته على التميز بهوية مستقلة. وعلى الجانب الآخر نجد الفنان المتميِّز والمبدع يعتمد اعتماداً كلياً على طريقة حمل أعماله والانتقال بها من بلد إلى آخر لتسويقها”.وترى السراج أن اقتناء العمل الفني في وقتنا الحاضر يُعد مغامرة واستكشافاً. وهو أيضاً وبلغة التجارة الأقل استثماراً. بينما سيكون الجيل المقبل من المقتنين من أصحاب الشهادات الجامعية، ويعيشون ثقافة عالمية، وبهذا سيكونون مستهلكين مثقفين وأدرى من الجيل السابق. وبالتالي، فإن اهتمامهم بالفن سيكون منصبَّاً على جودة التصميم وإبداعه. وهذا الاستنتاج المستقبلي هو مفهوم، لا بد من أن يعيه الفنان السعودي الذي يتطلّع إلى الاستثمار في طاقاته الإبداعية.

تفسير النشاط في زمن الكساد
وتوجَّه مدير الجلسة إلى حسين بسؤاله عن المفارقة في الحديث عن وجود كساد في السوق من جهة، وازدياد عدد المعارض من جهة، فأجاب: “لو تمت مقارنة بين المبيعات المحققة قبل سنوات قليلة مع المبيعات الآن، ستجدها أنَّ الأخيرة لا تتجاوز الـ%5 وفي أحسن الأحوال %10 من حجم الأولى. وبعض الصالات يعجز حالياًعن تغطية مصاريفه. ورغم ذلك، فالمعارض قائمة، لأنَّ صاحب الصالة قد يكون مضطراً إلى ذلك لسبب ما، وأحياناً من باب الهواية، أو من باب الدعاية لصالته.

وفسّر قنديل هذه المفارقة بقوله إن جزءاً من رواج سوق الفن يعود إلى انتشار القاعات. قال: “نعم هناك كساد في الوقت الراهن. لكن من المتوقع أن تًنهض السوق مرَّة أخرى وتزدهر”.

وأعطى عسيري صورة أدق لحجم الكساد في السوق العالمي قائلاً إن التقارير الواردة أخيراً من جهات بحثيَّة عالميَّة في سوق الفنِّ تفيد أنَّ جميع أسواق العواصم الكبرى تتجه إلى التراجع في العام الجاري 2017. الخريطة تشير إلى أنَّ مؤشر في أمريكا منخفض بنسبة %30، وفي أمريكا الجنوبيَّة %27 منخفض، وفي أوروبا الغربيَّة %41 منخفض، وفي أوروبا الشرقيَّة %20 منخفض، وفي شرق آسيا %40 مرتفع، وفي مناطق أخرى من الشرق الأوسط %12 مرتفع.. وعندما نجري متوسطاً حسابياً لسوق الفن في العالم، نجد أنَّ هناك تراجعاً عالمياً بمقدار %4.. نعم هناك كساد عالمي، ونحن في المملكة لسنا بعيدين عنه.

وفي البحث عن سبل الخروج من الأزمة الحالية قال محمد العبلان: لكي نتجاوز حالة الكساد الراهنة التي قد تطول، ينبغي علينا الاتجاه إلى فكرة اللوحة المطبوعة. فلو اتبعنا هذا النهج فسوف يروِّج للفنان، وسوف يقتني اللوحة عدد كبير من الهواة، وتحتفظ في الوقت نفسه اللوحة الأصليَّة بقيمتها.

مستقبل السوق السعوديَّة
وفي ختام الجلسة، توجَّه مديرها إلى المشاركين بالسؤال حول نظرتهم إلى مستقبل سوق الفن في المملكة، وجاءت الأجوبة والرؤى على الوجه الآتي:

هشام بنجابي: إن مفاهيم التنمية المستدامة سوف تتحقِّق في سوق الفن التشكيلي، إذا تحكمت به الأنظمة والمعايير. وأرى أنَّ الجاد من الفن بحاجة إلى مساحة زمنيَّة حتى ينضج نضجاً كاملاً. ولذا، أطالب بوجود جهة رسميَّة تستعين بخبرات المختصين لتأسيس المعايير والنظم لسوق الفنِّ السعودي. وعند تنفيذ المعايير التي تضبط الأسعار وجودة الأعمـال ومــدى فنيتـها، سوف يرتقي سوق الفن بشكل مطرد وسنصل إلى مرحلة رفيعة من الاتقان والانتظام.

الفنان لديه تحفظ وحساسيَّة على الطريقة التي تسعّر بها أعماله، ربما يتحاشى أن يدخل فيها أو أن يساوم في سعر عمله

أحمد حسين: سوق الفن مزدهر في دبي. ولكن عمليَّة الشراء من دبي محفوفة بالمخاطر. فعندما يحدث أي خلاف بين البائع والمشتري فإنَّ الصالة هي المرجع، يستطيع المشتري الرجوع وأخذ حقه منها. أما عندنا في المملكة فلا يوجد حكم بين البائع والمشتري. ولربما أدى ذلك أيضاً إلى ضياع الحق بينهما.

أيمن يسري: هناك حقيقة جديدة بدأت تترسخ في سوق الفنِّ السعودي، وهي دخول المؤسسات على الخط، وأنَّ الفنان أصبح جزءاً بسيطاً من هذه المؤسسة. فالمؤسسات تؤدي دور الوسيط، وتنظِّم العمليَّة الإنتاجيَّة والتسويقيّة كلها. وبالتالي، عند حدوث مقاضاة أو ظهور إشكاليات قانونيَّة، فإنَّ المؤسسة هي التي تقاضي المؤسسة الأخرى. ولذلك، فإن مستقبل سوق الفن مرهون بتنظيم المؤسسات.

هشام قنديل: مستقبل سوق الفن مرتبط بالبحث عن مقتنين جدد. وللغرابة أنَّنا نبحث عنهم في حين أنَّ الواقع يقول لنا إنَّ نسبة كبيرة من المقتنين للأعمال التي بيعت عند “كريستيز” هم من السعوديين، وهم غير موجودين في المشهد السعودي. ولذا فالسؤال هو: كيف نصل إلى هؤلاء المقتنين؟

بدأت تظهر أسواق الفنِّ في العالم مع ظهور الطبقة البورجوازية في أوروبا، وقبل ذلك لم يكن هناك تصوير فوتوغرافي، فكان الفنانون يرافقون الجيوش لتوثيق المعارك والحروب

حسين باجابر: سوق الفن في تنامٍ إذا طوَّرنا نحن أدواتنا وثقافتنا الشرائيَّة والتسويقيَّة. ومستقبل المزادات العالميَّة في ظل الظروف الاقتصاديَّة الحاليَّة تحدِّده سوق الفن بشكل كبير. ومع اقتراب أول مواسم المزادات الكبرى لعام 2017 من الانتهاء، أثبت الفنُّ أنَّ سوق المزادات ما زال قوياً. فقد شهد مزاد الفن الانطباعي والسريالي المسائي بلندن في 1 مارس الماضي أعلى إجمالي لأي تجمع مزاد في لندن.

عصام عسيري: هناك صعوبات سيواجهها سوق الفنِّ السعودي، وتتمثل في مواجهة الكساد والمصروفات، واستمرار استيراد الأعمال الصينيَّة المقلَّدة. ولكن سيتحقق تنويع في مصادر الدخل والاستثمار في الاقتصاد السعودي، وذلك حسب رؤية 2030 وبالتالي، فسوف يستمر سوق الفن. وسوف تستمر الضرائب والجمارك بنفس معدلاتها الحاليَّة، أي أنَّها لن ترهق السوق. وسوف تكون المنافسة قويَّة بين الجهات العاملة في سوق الفن، رغم أنَّه لن تحدث اندماجات بين المؤسسات. ولعلنا شهدنا اندماجات طفيفة أخيراً في جدَّة، مثل اندماج “جاليري حافظ” و”جاليري أيام”، ونشوء مجلس الفن السعودي.. ولكن بشكل عام، لا توجد اندماجات مستقبليَّة في السوق. وعلى هذا الأساس، يبدو مستقبل سوق الفن في المملكة واعداً.

 

أضف تعليق

التعليقات

صلاح سالم

علي قمة الإحساس يكون هناك الإنسان المبدع الانسان الفنان