حياتنا اليوم

سبيل القراءة المنتخبة

  • Library
  • Girl reading
  • Riyadh book fair
  • Screen shot 2013-11-14 at 12.05.59 PM
  • Screen shot 2013-11-14 at 12.05.15 PM

أغرقت ثورة الإنفوميديا الناس بأنواع شتى من المعلومات المرئية والمسموعة والمقروءة، وتوصلها بوسائل مختلفة من شاشة التلفزة إلى الكمبيوتر والأجهزة اللوحية وأجهزة الجوال الذكية. وأصبح المتلقي، مشاهداً أو قارئاً أو متصفح موقع إنترنت، عاجزاً عن انتخاب ما يقرأه وطارحاً على نفسه أسئلة من قبيل: هل يستحق كل ما حولنا من المادة المقروءة، القراءة والاهتمام فعلاً؟ وكيف لنا أن نتخيّر؟ فاضل التركي يأخذ قارئ هذا المقال في جولة تبدأ من تاريخ الكتاب وصولاً إلى حاضره، ليذكره بفضيلة القراءة ويسهل عليه سبيل انتقاء الكتاب الذي عليه قراءته.

كانت الكتب قديماً نُدرةً وكان على المُثقف والمهتم (بمصطلحات لغة الأمس السحيق) أن يقرأ تلك الكتب المعدودة مرة بعد مرة ليتمكن منها حفظاً وفهماً. وبحسب إحدى الروايات، فإن ابن سينا قرأ كل الكتب وهو في الحادية عشرة من عمره، وأتقنها.

وبالأمس، كانوا يقرأون الكتب ويختصرونها ويشرحونها ويكتبون عليها الهامش. وكانوا ينشغلون بها طيلة العمر. أما اليوم، في عصر المعلومات، فكثرت الكتب وأصبح هناك عدد هائل من الكتب المطبوعة والإلكترونية والصحف والمواقع والمدونات، وكم عظيم من المادة المقروءة بأشكال شتى، إضافة إلى المسموعة كالبرودكاست والكتب المقروءة.

لقد غدا الحِملُ على المثقف أصعب بكثير من واجب الأسلاف، وأصبحت هناك كتابات كثيرة تفعل بالقارئ فعل التلفزيون الذي يحوي كثيراً من الغث والسمين، وأصبح من الأولوية بمكانٍ، الفصلُ بينهما وتحديدُ الأولوياتِ للاختيارِ. لكن، هل هناك استراتيجيات تحدد لنا ذلك بعد الاقتناع بـ «لماذا نقرأ»؟ و«ماذا نقرأ»؟ لنأخذ جولة في هذه المعضلة، وجولة في تجارب الخبراء وأنجع الاستراتيجيات التي تعود على القارئ المهتم بالنفع والفائدة والاستمتاع.

هروب إلى القراءة البحثية
قد يكون المهرب سهلاً لو تصورنا أن خير أنواع القراءة هو القراءة البحثية. وهذا تصور حكيم وقد يأتي بنتائج نوعية. فالباحث يطرح سؤالاً في موضوع خاص، كسؤال عن أنواع السفن في الخليج العربي من حيث الشكل والأسباب التي جعلت مهندسيها يصممونها بهذه الأشكال وبهذه الأحجام والخدمات والتجهيزات والأسماء المتعددة؟ والباحث لا تهمه قراءة كل المادة التي تقع في يده، بقدر ما يهمه أمرُ التمكنِ من السؤال والمادة التي تفي بغرض بحثه ليواصل صوغ استنتاجاته ومتابعة العمل. وقد يكون السؤال، مثلاً، عن الباعث الذي جعل أهل الأندلس يكتبون شعر الموشحات، ومن أين جاء ذلك وكيف تطور؟ وهكذا..

قد يكون ذلك مهرباً من ضياعٍ في كم هائل من عناوين الكتب وموضوعاتها والمادة المقروءة، لكن القراءة ليس هدفها البحث دوماً. القارئ لا يستطيع التلذذ والعيش في أجواء رواية إنسانية غائرة في النفس وفي الطبيعة والتجربة وهو يقرأها بطريقة البحث، ما لم يقرأها كاملة لمرة واحدة على الأقل.

محاولات لانتخاب قراءة أفضل
وإذا تجاوزنا القراءة البحثية التي تقيدنا كثيراً وتكسبنا وقتاً وتخيّر الجيد وانتقائه والتجاوز لما بعده، فإن هناك محاولات عدة تستحق التقدير لحل هذه المعضلة، خرجت بنتائج مثيرة للجدل، منها «القانون» الغربي وهو مجموعة الكتب الأكثر تأثيراً في تشكيل الثقافة الغربية حسب معايير الأكاديميين الغربيين.

وفكرة هذا «القانون» تتركز أكثرَ حول المبادئ والقواعد الثابتة لا الحقائق المتغيرة. ولقد كان لهذا القانون أشكال عدة وقوائم من الكتب عدّها بعضهم أكثر أهمية من غيرها، فيما كان لدى غيرهم قوائم خاصة بهم.

لقد أثار موضوع الإتيان بقائمة كتب ذات أهمية عالية في تشكيل ثقافة النخبة وتشكيل قواعد للثقافة والفنون، كثيراً من الجدل، وعُدّ شكلاً من أشكال التمييز والترفّع وإهمال الثقافات الأخرى والموضوعات التي لا تقع في حيّز اهتمام القائمين عليها. في المقابل، أصبح المعتدون بهذا «القانون» يقيّمون كل عمل فنيّ أو أدبي بما يوافق قواعد وكتابات هذا «القانون»، وما عدا ذلك لا يرقى ليكون فناً ولا أدباً ذا بالٍ.

في هذا الطريق، ظهرت عدة محاولات معاصرة فيما يسمى بـ «الكتب العظيمة»، وهي قوائم تتراوح بين 50 و100 كتاب اختيرت بعناية. ويرجع بعضهم هذا الاهتمام إلى أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأمريكية وأحد رؤسائها توماس جيفرسون، الذي أولى اهتماماً عالياً بالتعليم العالي وقدَّم مجموعة من القوائم التي تحوي كتباً تساند هذا التوجه.

ومن ضمن هذه القوائم ما يعرف بـ «كلاسيكيات هارفرد» التي صاغها وحرّرها رئيس الجامعة حينها الدكتور إليوت – عام 1909م – لتشكل 51 مجلداً من الأدب العالمي. وفي عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين، قام البروفيسور جون إريكسن – من جامعة كولومبيا – بإرساء مشروع «كتب العالم الغربي العظيمة»، الذي شاركت فيه مجموعة من المربّين والأكاديميين والعلماء من أجل رفع مستوى التعليم ومحاولة إيجاد حل لمعضلة ضيق أفق التخصص في الكليات والجامعات الذي يؤثر سلباً على الطلاب في إنتاجهم واطلاعهم الفكري وخبرتهم بما تشمله الحضارة الغربية الواسعة. ويحدد موريتم آدلر – أحد المساهمين في المشروع – المعايير التي تحدد ما إذا كان لكتاب ما مكان في هذه القائمة بالآتي:
• 
يجب أن تكون للكتاب أهمية معاصرة، بمعنى أن يكون له ارتباط بالمشكلات الواقعة في وقتنا الحاضر.
• 
يجب أن يكون الكتاب نبعاً لا ينضب، بحيث يمكن قراءته مرة بعد مرة والخروج بفائدة.
• 
أن يلامس الكتاب أكبر عدد ممكن من الأفكار والقضايا الكبرى التي شغلت أذهان المفكرين خلال الخمسة والعشرين قرناً الماضية.

وكان هذا المشروع الأنيق بدأ في الظهور عام 1952م، وطَبَعَتْ منه شركةُ الموسوعة البريطانية في الولايات المتحدة الأمريكية 54 مجلداً، ووصل عدد المجلدات اليوم إلى 60 مجلداً.

لكن أناقته والجهد المبذول ومقدار الفكر الذي أُعمل، لم يحدّ من المناهضين له من المعلمين والمربين والعلماء. فهو أثار ولا يزال، يثير كثيراً من الجدل والنقد ولو كان مشروعاً يستحق النظر والتأمل والاستفادة منه.

لقد تنوعت الانتقادات بين تلك التي ترتكز على الحصر في بعض المؤلفين والذكور منهم أكثر من الإناث والموضوعات والعناوين وكذلك في صعوبة المادة المختارة على القارئ العام في بعض المجالات كالرياضيات مثلاً. وتعددت جوانب الجدل لتشمل موضوع تعدد الثقافات والعنصرية الثقافية ومشكلات التعليم التقليدي وحرب الثقافات، ووصل الأمر إلى أن كَتَبَ أَلِن بلُوم ما سماه بـ «انغلاق العقل الأميركي».

أين كان الهدف النبيلُ وأين وصلنا؟ أليس هذا علامة على حجم المشكلة التي نناقش؟

وعلى الرغم من كل هذا، كان هذا البرنامج شرارة لحركة من مشاريع «الكتب العظيمة» شارك فيه نحو مئة معهد وجامعة من شتى بقاع المعمورة في أميركا الشمالية وأوروبا.

الفنون الحرّة والتعليم الحرّ
أصل الفكرة الخاصة بهذه القوائم التي أخذتنا إلى إيجاد معايير واستراتيجيات للانتخاب، تعود لما يعرف بالتعليم الحر والفنون الحرة. وتعرف الفنون الحرة بتلك المعارف والموضوعات والمهارات من العصر الكلاسيكي التي يحتاج أن يتمكن منها الفرد الحر – المواطن – الواحدة تلو الأخرى، ليكون له دور فاعل في الحياة المدنيّة.

في البدء، عند الإغريق كان الاهتمام بقواعد اللغة والمنطق والبلاغة يجعل من الفرد فاضلاً متعلماً لبقاً. ثم أعقب ذلك في العصور الوسطى، توسّع شمل الحساب والهندسة والموسيقى والتنجيم – الفلك. وتوسع الأمر بعد ذلك ليصنع لنا اسماً جديداً هو العلوم الإنسانية التي توالى توسعها ليكون منهجَ التعليم الذي انتشر في مدارس أوروبا وجامعاتها التي خرجت النخبة الأوروبية من أطباء وعلماء وكتَّاب وأدباء وفلاسفة وفنانين.

وقد تغيّر المصطلحُ في العصور الحديثة ليعني كل تلك العلوم والآداب والفلسفة والفنون التي لا تنضوي تحت إطار التعليم الحرفي والمهني والتخصصي، على الرغم من أن بعض الجامعات الحديثة بدأت في فتح مجال للدراسة في تخصصات تحمل نفس هذا المسمى.

ما يعنينا من هذا، هو أن بعض الخبراء يظنون أن فكرة الفنون الحرة والتعليم الحرّ، أهم سببٍ صَنَعَ لنا العباقرة والمخترعين والفنانين والأدباء في ما مضى وفي وقتنا الحاضر. فهؤلاء لم تصنعهم الدراسات الأكاديمية التي تضيّق أفقها «وحشية التخصص» – كما يشير خوسيه أورتيغا – بل صنعتهم قراءاتهم الحرة والمهارات والكتب العظيمة التي تزيل الحدود بين الاهتمامات المتنوعة والموضوعات وتُداخل بينها كأنظمة، وتكشف خيوطاً خفية وتلهمهم بكثير من الإبداع والجديد.

وتشمل موضوعات الفنون الحرة والتعليم الحر في عصرنا الكتب العظيمة – التي كانت هذه بذرة فكرتها – والفنون البصرية والفنون المسرحية والتاريخ واللغات والرياضيات والموسيقى والأدب والفلسفة والعلوم السياسية وعلم النفس والاجتماع والعلوم الطبيعية.

قوائم كتب كل يوم
وعلى الرغم من قِدم فكرة الفنون الحرّة، يبقى جدل الاختيار والانتخاب معضلة مشتركة مع المحاولات الأخرى. ولم تعد القوائم اليوم تحتاج إلى مشاريع وميزانيات وجامعات لكي تظهر وتنجز وتطبع المجلدات، إذ أصبحت تصلنا كل يوم، قوائم كتب يقال إنها «تستحق القراءة» جمعت بمعايير مختلفة من قبل مهتمين من شتى المشارب.

ففي عام 2002، قام نادي الكتاب النرويجي بإعداد قائمة من مئة كتاب اختارها مئة كاتب من نحو 50 دولة، بهدف الخروج بكتب تمثل الأدب العالمي من كل هذه البقاع ومختلف الثقافات وعلى مر العصور.

وضمت القائمة روايات عظيمة مثل «دون كيخوت» لسرفانتس، وهي أول رواية في العالم يشار إلى أنها تؤسس لجنس الرواية، إضافة إلى رواية لنجيب محفوظ، و3 أعمال لشيكسبير وفرجينيا ولف، وروايات دستوفسكي وغيرها. وكذلك نشرت دار «المكتبة الحديثة» الأميركية قائمتين يحوي كل منهما مئة كتاب خيالي وغير خيالي، هي أفضل الكتب التي صدرت منذ عام 1900م، حسب الدار.

ويشبه ذلك ما تصدره «أمازون» و«نيويورك تايمز» وكثير من الصحف ونوادي القراءة ومواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بالقراء والقراءة والكتب، من قوائم من كل صنف ونوع، فضلاً عن المدونات والمواقع والمجلات التي ينشر فيها مشاهير التلفزيون والمفكرين والمهتمين والأفراد قوائهم الخاصة سواء بدفع مسبق من المؤلفين ودور النشر أم من تلقاء أنفسهم.

وبغض النظر عن الأسس التي بنيت عليها هذه القوائم، ستشير إلى كتب تتكرر فيها ومؤلفون وموضوعات ولغات وحقب زمنية. ليكون ذلك نُصب عين القارئ الذي يبحث عن التميّز، فقد يعينه على تخيّر كتب «تستحق».

مراجعات الكتب والتوصيات
ومع ظهور مواقع لبيع الكتب مثل أمازون دوت كوم Amazon.com، و«بارنز» و«نوبل»، وكتب التواصل الاجتماعي مثل «قودريد» Goodreads.com، و«شلفري» Shelfari.com، ومواقع عربية مشابهة، أصبح هناك مجال للقراء للإدلاء بآراءهم ومراجعاتهم ويساهمون بتوصيات وكتابة خبرات وتجارب، بما يُنصَحُ بقراءته ومدى استحقاق كتاب ما أو مادة للقراءة. ويمكن الاستفادة من التقنية في ترتيب هذه القوائم بالموضوعات والتصنيفات وعدد القراءات والترجيحات والتوصيات، لكن الأمر ليس بهذه السهولة. فالمعضلة تكمن في أن الإنترنت أصبحت مفتوحة للجميع للكتابة والمشاركة، وأصبح يتداخل في المراجعات كثير من الظروف التي تجعل الاعتماد عليها وعلى التوصيات محل تأمل.

هل يمكن الاعتماد على عدد النجمات التي استحقها كتاب ما؟ وهل تثق في كل من قرأ كتاباً عبر ما كتب من توصية؟ ها نحن نعود إلى موضوع «انتخاب» المراجعات والتوصيات، ولنضع في الاعتبار دور الدعاية واستغلال نجومية المشاهير و ما شابه.

سوق الكتب اليوم
تغير حال سوق الكتب اليوم، إذ ظهرت موجة عنيفة من الكتب الأكثر مبيعاً غيرت وجه أرفف المكتبات في جميع أنحاء العالم. وأصبحت الكتب مملوءة بالتوصيات على أغلفتها، وأصبح الكُتَّاب يلتقون بالجمهور لتوقيع الكتب ولقاء القرَّاء وإلقاء المحاضرات والظهور على التلفزيون وفي وسائل الإعلام، في حوارات وأحاديث وتسجيلات ترويجية.

أكثر من ذلك، أصبح الكتاب يسوق له قبل ظهوره في السوق وقبل أن يكون لدى القارئ فرصة لتكوين فكرة عنه، وغدا مدعواً للمسارعة في حجز نسخته مبكراً قبل أن تطبع. وأصبحت الكتب مثل الأفلام، أجزاء تتلوها أجزاء أخرى تباع على أصداء رواج الأجزاء الأولى منها.

وظهر الآن نوع جديد من النشر لا يطبع الكتب حتى تُطلبَ، وظهرت الكتب الإلكترونية نقرأها على أجهزة اللمس. وظهر نوع من النشر الذاتي الذي يمكّنُ الكاتب من صياغة كتابه وتجهيزه إلكترونياً ومن ثمّ تتولى مواقع النشر الذاتي الترويج له وتوزيعه وبيعه.

وعلى الرغم من أن هذا يزيد من الإنتاج الإبداعي والفكري والعلمي ويزيد من انتشاره في عصر المعلومات، فإن أمر انتخاب القراءة يزداد تعقيداً أكثر فأكثر مع زيادة أعداد هذه المواد وضياع الجيّد منها وسط هذا الخضم من الدعاية والترويج في سوق الكتب المعاصرة؛ ويضطرنا إلى مزيد من الحاجة لتعلم استراتيجيات تساعد في تقييم هذه المواد وتشخيصها لقراءة ما يستحق.

كتب الأطفال؟
أما كتب الأطفال، فلها موضوع آخر إذ تتداخل فيها عدة جنبات من أهداف القراءة والفائدة المرجوة من الكتاب. ويدخل في ذلك عمر القراءة وإن كان الهدف تعليماً للقراءة أو موضوعاً آخر أو بناء شخصية الطفل وتربيته.

وأشير هنا إلى ظاهرة معاصرة هي ظاهرة ربط الكتب ببرامج التلفزيون وألعاب أجهزة الهاتف الذكية والأجهزة اللوحية وألعاب الفيديو. وارتباط الكتب بموضة شخصية ما أو شخصية تلفزيونية، سيجعل اختيارنا للكتب واختيار أطفالنا لها معرّضاً لخلل. وربما كان أعظم مشكلة في ذلك، هو محاولة إقناع الطفل بكتاب جيد لم يكن له نصيب من هذه الارتباطات بالموضعة.

خارج إطار الكتب
ومعضلة الانتخاب تتسع أكثر من مجلدات الكتب بموضوعاتها. إنها تشمل المواد المقروءة والمسموعة والمطبوعة والإلكترونية. ومع وضع معايير الانتخاب محل اهتمام وتطبيقها على الصعيد الشخصي وعلى صعيد العائلة وفي المدارس والمؤسسات، واللجوء لمصادر أخرى للمساعدة، قد نصبح في حال أفضل. وهناك مشكلة في كون الوقت محدوداً وفي مقدار حرصنا على الفائدة، سواء أكانت فكرية أم متعة استمتاع بسحر الكتابة والسرد التي هي فن من أرقى الفنون الإنسانية.

لا مهرب من القراءة
لنتذكر كلمة مارك توين حتى لا يكون لنا مهرب من قرار انتخاب ما نقرأ إذ قال إن «الفرد الذي لا يقرأ ليس لديه من مزية على الذي لا يعرف القراءة». فالقراءة إن قدّرناها رأيناها قرضاً لا يمكن أن نتجنبه، كما لا نريد في الوقت نفسه، أن نكون مشغولين بالقراءة دون أن نعيشها كما يجب.

ولا نريد أيضاً أن تلوث بعض الكتب فكرنا وذوقنا وتهدر وقتنا، ولا نريدها أن تشكل وتصوغ شخصيتنا فتصقلها عقول وخبرات تحيا بين سطور قد تكون كتبت في حقبٍ من ماضٍ سحقيقٍ أو هي بنت اليوم، وها هي اليوم ملهمة غنية بالأفكار والمشاعر تفتح الآفاق على عوالم جديدة وتأخذنا إلى سموات الإبداع وحياة أكثر متعة وحكمة.

نريد هذه الكتب ولا نريد أن نكون أسيرى سلطته وفخامة تصميمه وهالة من زخم مصنوع حوله، فربما كان لا يستحق، وهناك ما هو أولى منه، وذلك عملاً بالمثل الياباني القائل «إذا صدقت كل شيء تقرأه فمن الأفضل أن لا تقرأ». فالكتاب نختاره كما نختار صديقاً لأنفسنا، لا كفرد يمرّ في حياتنا وننساه.

نحن «دود الكتب» أولى بنا أن نطوِّر أنفسنا من خبرات السابقين وخبراتنا ومن التجربة والخطأ، ومما توفره تقنيات اليوم، ومجتمع اليوم ومن الشبكات الاجتماعية وتوفير عينات من الكتب للتجربة ومعرفة اهتمام الكتّاب وطريقة كتابتهم وعملهم. من كل هذا وأكثر، نطوّر استراتيجيات تجعل اختياراتنا أقرب إلى ما يجعل من تجربة القراءة وقتاً ممتعاً غنياً.

ثم إن الكتب الجيدة تدل على كتب جيدة أخرى، وتعلّم الكتابة الجادة. تعلمنا أي نوع من الكتب كتبت بجدية. والاطلاع على مشاريع المجموعات الجادة ونوادي الكتب والمناقشات وعدد الاستشهادات، ومن استشهد بها، يؤشر لبعض الاقتراحات.

إن عملية الانتخاب شديدة التعقيد، لكن خيوط النجاح ستعود علينا بقراءة أفضل بكثير من تلك العشوائية وتلك الخاضعة للمؤثرات في المحيط الذي يضمنا. ما دمنا سنقرأ، فلنتخيّر ماذا نقرأ ولنواصل المتعة وهذا السفر في العوالم غير المنتهية.

أضف تعليق

التعليقات