طاقة واقتصاد

سبعون عاماً من عمر النفط
المدن تتمدد عمراناً وسكاناً

  • 10a
  • 10b
  • 11a
  • 11b
  • 12a
  • 12b
  • 13
  • 14a
  • 14b
  • 15a
  • 15b
  • 16
  • 17
  • 18
  • 19a
  • 19b
  • 19c
  • 20
  • 21

سبعون سنة مرت من عمر البترول في المملكة، غيّرت ملامح المكان الذي منَّ الله عليه بهذه الثروة العصرية النفيسة. عشرات المدن ومئات القرى انعكست عليها مداخيل البترول نمواً وعمراناً والتصاقاً واضحاً في مدنية اليوم ومكتسبات التحديث والتطوير.

في هذا التقرير يلتقط زميلنا عادل الصادق الخيوط المتشابكة لأثر البترول في ملامح ومدن المنطقة الشرقية، المنطقة التي أطلقت صناعة النفط في المملكة في العام 1938م، لتعم بخيرها أرجاء المملكة.

بين ما قبل صناعة النفط في المملكة وما بعدها تغيّرات متسارعة تعبّر عنها دراسة علمية أجرتها الإدارة العامة للتخطيط العمراني في أمانة مدينة الدمام. فـ “بعد اكتشاف البترول تحولت وظيفة المنطقة الشرقية من الزراعة وصيد الأسماك واللؤلؤ والرعي إلى صناعة البترول”. هذه وظيفة “نشأت بفعلها مدن صناعية، وانتشرت أنشطة تجارية، وازدهر قطاع الإنشاء والخدمات”. ولم يكن كل ذلك ليحدث من دون وجود بشرٍ يعملون ويحتاجون إلى السكن والاستقرار، وبما أن الوجود السكاني، في المنطقة، كان محدوداً قبل النفط؛ فإنه، بعد ذلك، صار له شأن آخر بدأت قصته يوم تدفق النفط من بئر الخير، بئر الدمام السابعة في شهر مارس من عام 1938م.

الظهران.. كانت البداية
حين تدفّق النفط من بئر الدمام السابعة (الموجودة فعلياً في منطقة الظهران) لم يكن في المكان شيء يصلح للسكن سوى أكواخ خشبية يأوي إليها الجيولوجيون العاملون في التنقيب. هذا هو حال الظهران آنذاك. لكن الأمر تغيّر بعد ذلك؛ حين سارعت أرامكو إلى إنشاء ثلاثة أحياء رئيسة، استوعب أحدها العمّال، والثاني خُصّص للموظفين، أما الثالث فكان لمديري الإدارات وكبار موظفي الشركة. هذه الأحياء كانت نواة التطوّر العمراني الكبير والمدهش الذي عمّ البلاد لاحقاً. وفيما يخص الظهران؛ فإنها أخذت تتمدد عاماً بعد آخر خارج نطاق الأحياء الثلاثة، وتوسّعت لاستيعاب المباني الإدارية لشركة أرامكو السعودية، والأحياء السكنية، والخدمية، وكوّنت لنفسها حرماً خاصاً بمراكز عمل الشركة المتعددة والمتشعبة.
وخارج هذا الحرم؛ نشأ حيّان واسعان، هما: الدوحة والدانة اللذان يعتبران من الأحياء الراقية بما يتميزان به من تخطيط وبما يستوعبان من خدمات.

ولأن القصة بدأت مع النفط وتسايرت معه؛ فقد أدى اكتشافه إلى ظهور صناعة بعيدة المدى، واحتاجت هذه الصناعة إلى أنشطة تجارية وصناعية مساندة أيضاً، واحتاج كل ذلك، بدوره، إلى أيدٍ عاملة؛ فكان أبناء المنطقة الشرقية قوة العمل الأولى التي انخرطت في خطوط الإنتاج، لكن العرض تفوّق على الطلب في الحاجة إلى الأيدي العاملة وهو ما جعل من “الشرقية” منطقة جذبت الأيدي العاملة من كافة مناطق المملكة، وبعض دول الخليج أيضاً، فضلاً عن الفنيين والخبراء والإداريين القادمين من دول أجنبية للعمل في أرامكو، أو معها عبر شركات ومؤسسات أخرى. ومن الطبيعي أن تضيق الأحياء (الظهرانية) الثلاثة بالآلاف المؤلفة من البشر، القادمة تباعاً إلى هذه البقعة النفطية الجديدة.

الخُبر.. الخيار الأول
ولمواجهة هذا التدفق البشري كان الخيار الأقرب للظهران هو “الخبر” التي لم تكن سوى قرية صغيرة لم يمضِ على نشوئها سوى سنواتٍ يسيرة على يد أفراد من قبيلة الدواسر قدموا إليها من البحرين عام 1923م، وبنوا بيوتاً ريفية وامتهنوا الصيد والغوص. وظهرت آنذاك الحاجة إلى أن تتحول قرية “الخبر” إلى مدينة، فأصدر الملك عبدالعزيز، رحمه الله، إذناً بإنشائها بتاريخ 23 يوليو 1939م، تضمن خطوطاً عريضة لنظام منح الأراضي، وبعض مفردات تخطيط المدينة المستقبلي، ووجه الأمر الملكي بإزالة بيوت الجريد

والخُوص، ومنع إقامتها إلا في مواقع من المنطقة الجنوبية، بعيداً عن منطقة أرامكو. ونصت المادة الرابعة عشرة على تطبيق نفس “التعليمات على بلدة الدمام”.

والحقيقة هي أن أهمية الخبر، كموقع، برزت قبل هذا التاريخ؛ ففي سنة 1935م اختير ساحلها لبناء أول رصيف من صخور البحر والحجارة لاستقبال المواد والأغذية والمواد الأخرى المستوردة من البحرين إلى مخيم التنقيب الصغير في جبل الظهران.
وقد تشابكت أسباب الحياة بين الخبر والظهران على المستوى الإداري والسكاني والتجاري.
وفي سنة 1957م أعدت أرامكو مخططاً استشارياً لمدينة الخبر، وانعكس النمو المتسارع الذي استحدثته شركات البترول في الظهران على
الخبر طردياً. وبمجرد دخولها عقد الثمانينيات الهجرية (الستينيات الميلادية) كانت الخبر
قد تشكلت شخصيتها الجغرافية كمدينة
تجارية واعدة.

واستقطبت المدينة رجال الأعمال الطامحين الذين قدموا من مناطق مختلفة من المملكة ومن العالم أيضاً، ليجعلوا – في سنوات يسيرة – من الخبر مدينة مرموقة.

ولم تمض الخطط التنموية الخمسية الثلاث حتى أنهت الخبر مراحل نضجها العمراني والتجاري الذي جعلها إحدى المفاخر التنموية في المنطقة الشرقية، تميزها واجهة بحرية جميلة تشكل جزءاً من الواجهة البحرية في المنطقة الشرقية. وقد توسعت رقعتها العمرانية لتقترب من 7 آلاف هكتار، يسكنها أكثر من 200 ألف نسمة.
المصفاة تصنع مدينة
رأس تنورة، هذه المدينة الذائعة الصيت في أسواق النفط العالمية، لم تكن شيئاً مذكوراً قبل اكتشاف النفط، على الرغم من وجود وثائق تفيد بأن “رحيمة” – وهو الاسم الرديف لها – كانت عام 1856م واحة خضراء. وحين أوصى الجيولوجيون باختيارها موقعاً لمصفاة التكرير عام 1938م عمدت أرامكو إلى تجهيز حي سكني يستوعب موظفي المصفاة. ثم تطور الحي السكني تبعاً لتطور العمل في المدينة النفطية الناشئة. وما إن أطل عام 1958م حتى أصبح للمدينة شوارع فسيحة وأرصفة مشاة ومرافق خدمية. وفي السنوات اللاحقة نشأت أحياء سكنية خارج حرم المنطقة النفطية، وتواترت الهجرات إلى شبه الجزيرة – وهو الوضع الجغرافي الذي تتكون منه – وساعد برنامج تملّك البيوت الذي تطبقه أرامكو السعودية في نموها، إلى أن تجاوز عدد سكانها 65 ألفاً ينتسب ثلثا العاملون منهم إلى الشركة. وتبلغ مساحة رأس تنورة حالياً 290 كيلومتراً مربعاً، وتحتوي على 7500 وحدة سكنية، و2500 وحدة تجارية تتوزع على ستة أحياء.
بقيق.. نشأة من الرمال
تقع بقيق في منطقة تعرف باسم “الجافورة” تمتد للربع الخالي. وقد بدأت أهميتها تظهر سنة 1940م عندما اكتشف فيها حقل زيت يعتبر ثاني أكبر حقل في منطقة الامتياز. وعلى إثر ذلك أقيمت مرافق سكنية وصناعية، تدرجت عبر عقود زمنية عديدة حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن. وبين عامي 1956 – 1960م، وزعت شركة أرامكو أراضي سكنية على الموظفين ليبنوا عليها بيوتهم، فارتفع عدد السكان في ذلك الوقت إلى 4000 نسمة من أصل 600 نسمة. ثم واصلت المدينة نموّها المطرد، عمرانياً وسكانياً، إلى أن تجاوزت مساحتها 800 هكتار يعيش فيها قرابة 50 ألف نسمة.

الدمام.. التمدد في كل الجهات
الدمام مدينة لها قصة قد تكون مستقلة، ولكنها ذات صلة بالنفط أولاً وأخيراً. فهي لم تكن سكناً قبل أن يأتي إليها الدواسر عام 1923م لينشئوا قريتهم. وقد استدعى تزايدهم فيها آنذاك إنشاء بلدية لتخدم شؤونهم. وبعد تدفق النفط توافدت عليها موجات القادمين من مناطق المملكة للعمل في أرامكو، وغيرها من المؤسسات الناشئة في ظل هذه الصناعة الجديدة. وفي عام 1947م أعدت الشركة مخططاً للمدينة بناءً على طلب من أمير المنطقة الشرقية، وقتها، الأمير سعود بن عبدالله بن جلوي. ولكن التطور الأهم في المدينة حدث متسارعاً بعد انتقال الإمارة من الأحساء إليها عام 1950م. فقد أعطاها ذلك ثقلاً إدارياً، وأهّلها قربها من الظهران، لتلبية حاجة الشركة حين أرادت ترتيب أوضاع موظفيها وعمّالها السعوديين، فباشرت في بناء حيّ سكني جنوبيّ الدمام للراغبين منهم في السكن. وخلال عقد الستينيات بلغ عدد المنازل التي بنتها الشركة 1700 منزل. هذا العدد كوّن الحي الذي ما زال معروفاً بـ “مدينة العمّال”، وهو اسم موجود في غير الدمام من مدن المنطقة أيضاً.

أخذت الدمام تتسع، وسكانها يتزايدون. تآكلت الرمال من حولها وحلّت محلها الأحياء السكنية والتجارية. اتجه العمران صوب البحر أيضاً. ولم يُطل عام 1974م، حتى تجاوز سكانها 124 ألف نسمة. وحين أجرت الدولة مشروع التعداد السكاني عام 1993م اقترب عدد السكان من نصف مليون، ووفق توقعات التعداد الرسمية فإن عدد سكان مدينة الدمام وحدها سيقترب العام القادم (2004م) من ثلاثة أرباع المليون نسمة.

والدمام لم تعد قرية، بل لم تعد مدينة سكنية، هي أيضاً مركز تجاري تتوزع فيه المجمعات التجارية والأسواق والمؤسسات الخدمية، وهي مدينة تتبعها مدينتان صناعيتان تشاركان في دورة الاقتصاد. أما حدودها الجغرافية فلم تعد محصورة في الأرض السبخة التي كانت عليها في الخمسينيات الميلادية من القرن الماضي. لقد وصلت حدودها الجغرافية إلى مطار الملك فهد الدولي بالدمام شمالاً. وزحفت شرقاً فالتحمت بالخبر.. وزحفت جنوباً فالتحمت بالظهران.. وزحفت شمالاً فالتحمت بالقطيف.. وزحفت غرباً فالتهمت رمال الصحراء..!

ولا تزال المخططات السكنية والتجارية تتوالد فيها وحولها، ولأسباب مختلفة أصبح “حاضرة الدمام” اسماً يطلق على عدد من المدن ككتلة عمرانية واحدة؛ هي: الدمام والخبر والظهران والقطيف.

الجبيل.. عملاق
الصناعة البتروكيماوية
بعد أقل من ثلاث سنوات هجرية من الآن يبلغ عمر مدينة الجبيل قرناً كاملاً، فقبل 27 رمضان عام 1327هـ (1910م) لم تكن هذه الجبيل موجودة كمنطقة آهلة، وهي تبعد عن الدمام بحوالي ثمانين كيلو متراً. ومدينة الجبيل هي المحطة الأولى التي استقبلت الرعيل الأول من الجيولوجيين والمنقبين عن النفط، الذين وصلت أفواجهم الأولى إليها في 23/9/1933م.

كانت قرية صيد متكومة في رأس بحري. وتلك القرية التي لم تكن مساحتها تتجاوز كيلومتراً مربعاً واحداً انفجرت تنموياً، والتهمت آلافاً مؤلفة من الكيلومترات المربعة، لتكون قادرة على استيعاب واحدة من أهم القلاع الصناعية البتروكيماوية في العالم. والصناعة – وصناعة النفط تحديداً – وراء كل ذلك. فقد أدت المدينة (هي وشقيقتها ينبع على ساحل البحر الأحمر) دوراً رئيساً فيما اعتزمته الدولة من تنمية صناعات تعتمد على المواد الهيدروكربونية. وفي شهر ذي القعدة من عام 1397هـ (1977م) افتتح الملك خالد، رحمه الله، المدينة الصناعية في الجبيل؛ مؤذناً بميلاد مرحلة فاعلة من مراحل الصناعة في البلاد، إذ دخلت (سابك) السوق الصناعية عبر مجموعة من المصانع العملاقة، منها: مجمعات البتروكيماويات المعتمدة على الإثلين، ومصانع الميثانول، واليوريا، والحديد والصلب، وغيرها.

هذا النهوض الصناعي تطلب توسعاً تجارياً تمثل في قيام المؤسسات والشركات الخاصة، والخدمات المساندة لنهوض مدينة صناعية. وبدوره تطلب التوسع التجاري توسعاً في النطاق العمراني لاستيعاب الزيادات المطردة من السكان القادمين إلى الجبيل من أجل العمل، من داخل المملكة أو من خارجها. فضلاً عن تزايد عدد السكان الأصليين وحاجتهم إلى مساحات عمرانية جديدة. وتقع الأحياء السكنية في مدينة الجبيل في منطقة ساحرة تطل على الخليج العربي شمال غرب المنطقة الصناعية وتبلغ مساحتها أكثر من 10 آلاف كيلومتر مربع، ويتجاوز عدد سكانها 200 ألف نسمة.

القديم.. توسع وتطور
إذا كان النفط قد بنى مدناً لم تكن موجودة قبلاً وفرضت توابعه واقعاً ديموغرافياً جديداً في مواقع لم يكن فيها ما يكفي من أسباب الحياة والتعمير قبل تدفقه؛ فإن خيره تدفق إلى الحواضر القديمة، أيضاً، وأعاد صياغتها العمرانية على نحو لم تعرفه على امتداد تاريخها الضارب في القدم. وفي الأحساء والقطيف أكثر الملامح إشارة إلى هذه الحقيقة التاريخية.
تحتل الأحساء مساحة 534 ألف كيلومتر مربع وهي مساحة تعادل 24% من مساحة المملكة و67% من مساحة المنطقة الشرقية. وتضم أربع مدن رئيسة هي: الهفوف والمبرز والعمران والعيون، إضافة إلى ما يقرب من خمسين قرية. ويربو عدد سكانها على المليون نسمة. وقد عرف سكان الأحساء، تاريخياً، بالزراعة والتجارة اللتين صنعتا تاريخها الاقتصادي. وبعد ظهور النفط انجذب أهلها إلى وظائف أرامكو، وعلى الرغم من أن كثيراً منهم قد نزحوا إلى الدمام وبقيق والخبر والظهران؛ إلا أن الأحساء توسعت وتطورت، ودخلت مدنها وقراها حياة تجارية متنوعة أفرزت نتائجها على السكان والمساكن. كما استفاد موظفو أرامكو من برنامج تملُّك البيوت الذي تطبقه الشركة.

وتنطبق بعض تفاصيل هذا الواقع على القطيف التي اعتمدت، عبر تاريخها، على الزراعة والصيد والغوص والتجارة، واتكأت حضارتها على تركة قديمة من النشاط السكاني المتواصل. ففي منتصف الخمسينيات الهجرية من القرن الماضي لم تكن مساحتها العمرانية تتعدى 40 هكتاراً، لكن كتلتها العمرانية، اليوم، تحتل أكثر من 6 آلاف هكتار من المناطق المأهولة. ويظهر هذا التوسع في تداخل قراها القديمة بعضها ببعض ابتداءً من عام 1960م، إلى الحد الذي أصبحت فيه لصيقة تماماً بمدينة الدمام جنوباً. وما حدث في المدينة الأم، حدث في المدن الأخرى: سيهات، صفوى، تاروت، وحدث في القرى التي كانت ملمومة وراء الأسوار أو وسط غابات النخيل.

روافد التنمية تتشابك
لقد تشابكت الروافد التنموية الناتجة في مجملها من النفط الذي موّل عمليات البناء الشامل في البلاد، وتدفقت خيراته فيها على النحو الذي حقق الرفاه للإنسان السعودي. وإذا كان العمران شكلاً من أشكال النموّ؛ فإنه نهض وتطور بفعل الانتعاش الاقتصادي الذي تمثل في الفرص التي هيأتها الدولة كصندوق التنمية العقارية، وبرنامج منح الأراضي، وبرنامج تملك البيوت في أرامكو السعودية.

———–

من بنود الأمر الملكي الخاص
بإنشاء مدينة الخبر عام 1358هـ

– «يشترط مباشرة البناء في الأرض الممنوحة بعد مضي ستة أشهر من تاريخ التسجيل وأن لا تمر سنتان إلا ويكون البناء قد أكمل وإن مضت المدة الأولى ولم يشرع في البناء تسحب الرخصة وإذا أمضى المدة الثانية دون أن يكمل البناية فللحكومة الحق في سحب الرخصة وبيع الأنقاض المقامة عليها إلى الغير.»

– «المساكن التي تكون في حدود الشوارع ولمصلحة التنظيم تزال ويعوض أهلها بدلها أرضاً أخرى وتدفع لهم المساعدة التي تراها الحكومة تفضلاً منها.»

————-

ملحقات

ومدن أخرى قامت على النفط

لعب اكتشاف النفط في دول عديدة من العالم الدور الرئيس في نشوء مدن جديدة ونموها بسرعة صاروخية، نذكر منها على سبيل المثال مدينة ستافنجر النرويجية ومدينتي دالاس وهيوستن الأمريكيتين.
ستافنجر
شهدت مدينة ستافنجر النرويجية عبر تاريخها الممتد نحو 900 سنة طفرات اقتصادية متعددة كانت دائما ذات تأثير واضح في النشاط السكاني. ولكن ستافنجر لم تشهد في تاريخها طفرة كالتي بدأت قبل ثلاثين عاماً حين تم اكتشاف النفط، ولم تنته فصولاً بعد منذ تطوير حقول النفط المغمورة في بحر الشمال.

تقع ستافنجر، مدينة النفط النرويجية الأولى حيث مقار كبريات شركات النفط النرويجية بالإضافة إلى شركات المقاولات التي تعمل معها، في مقاطعة “روجلاند” جنوب غربي النرويج، وقد تأسست كمدينة في عام 1125م، وقد قفز عدد سكانها من ألفين إلى حدود الثلاثين ألفاً بعد ذلك بمائة عام نظراً لاتساع سوق الصيد وتجارته خاصة تعليب الأسماك بغرض التصدير.

دخلت ستافنجر عصر النفط في الستينيات من القرن الماضي، وبسببه أصبحت اليوم صاحبة أكبر نسبة نمو اقتصادي في النرويج. ففيها أعلى نسبة نمو اقتصادي في العالم، وأعلى نسبة توظيف (أقل نسبة بطالة) بين المدن النرويجية الأخرى. ويعمل في ستافنجر وحدها ما يصل إلى 7000 عامل وموظف في قطاع النفط مباشرة، وقد ارتفع عدد سكانها اليوم إلى 110 آلاف نسمة، يعمل منهم 72 ألفاً داخل المدينة نفسها.

هيوستن ودالاس عينان في رأس تكساس
من المدن التي ازدهرت في ولاية تكساس الأمريكية بسبب النفط مدينتا هيوستن ودالاس. وقد كانت هيوستن سابقة في مجال الاكتشافات النفطية منذ نهاية القرن التاسع عشر ولحقت بها دالاس في الثلاثينيات من القرن التالي.
هناك ثمة دلائل تشير إلى أن النفط استخدم في تكساس من قبل المستكشفين الإسبان منذ عام 1543م، ولكن الاستكشافات التجارية بدأت في عام 1866م حين تم اكتشاف بئر نفط صدفة أثناء حفر آبار للمياه كان إنتاجه لا يتجاوز عشرة براميل في اليوم، ولكنه جلب اهتماماً متزايداً باستكشاف المنطقة بحثاً عن النفط. ولم يبدأ القرن العشرين في ولاية تكساس الأمريكية وإلا وقد وصل إنتاجها من النفط إلى 836 ألف برميل وبذلك دخلت الولاية في عهد صناعي واقتصادي جديد غيّر التركيبة السكانية للولاية التي كانت قبله ريفية الطابع تعتمد على الزراعة وتربية وتجارة الماشية. وتوافد الناس من الأرياف إلى المدن لطلب الرزق من وراء الذهب الأسود ومع دخول الأربعينيات الميلادية صار نصف سكان تكساس يعيشون في المدن وصار تأثير النفط يصل إلى الملايين من سكان الولاية.

وفي الوقت الذي كانت فيه مدن شرق تكساس الأخرى بما فيها هيوستن التي بلغ عدد سكانها مع مطلع القرن 45 ألف نسمة تتمتع بطفرتها النفطية أثناء الكساد العظيم الذي حل بالولايات المتحدة في الثلاثينيات الميلادية، كان اكتشاف النفط في دالاس قد تأخر حتى عام 1930م ولكنه كان السبب الذي أنقذ المدينة من انعكاسات تلك الحقبة الاقتصادية المتردية في الثلاثينيات. فانتقلت أو تأسست في دالاس ثمان وعشرين مؤسسة ذات علاقة بالنفط في الشهرين الأولين من عام 1931م. وبدأت المصارف في إقراض العاملين في مجال النفط، وبعد فترة بسيطة تحولت دالاس إلى المركز الاقتصادي الأول لحقول النفط في شرق تكساس. وفي هذه الأثناء كانت هيوستن تتطور بدورها. فقد تم الانتهاء من إنشاء قناة مائية ليتم شحن النفط من خلالها، وبذلك بدأت مصافي النفط في الظهور قرب القناة. وفي عام 1948م اتسعت هيوستن لتبلغ مساحتها 216 ميلاً مربعاً. وفي السبعينيات الميلادية انتقلت أو تأسست في هيوستن 200 مؤسسة كبرى بمراكز رئيسة أو فروع مهمة.

وبحلول عام 1974م كانت دالاس الغنية بالنفط تمر بمرحلة مشابهة لهيوستن وإن كانت أقوى مردوداً، خاصة بعد إنشاء مطار دالاس الدولي، إذ أصبح في المدينة أكثر من 626 مقراً رئيساً لشركات بعضها من أضخم الشركات في الولايات المتحدة.

ويعيش اليوم في هيوستن أكثر من مليوني نسمة وقد قطعت هي ودالاس التي يسكنها أكثر من مليون نسمة أشواطاً طويلة عبر المائة والخمسين سنة الماضية من كونهما مناطق ريفية شبه خالية إلى اثنتين من أهم المدن الأمريكية، حتى أن مجلة “فوربز” وصفت دالاس كأفضل مركز تجاري بأمريكا الشمالية لسنتين متتاليتين في بداية التسعينيات.

———-

ملمح من تاريخ المنطقة القديم
تستند المنطقة الشرقية إلى تاريخ ضاربٍ بجذوره في القدم. ومنطقة الظهران، نفسها، دلّت الحفريات فيها على وجود آثار بابلية وأكدية وكيشينية. وهو ما يؤكد كونها منطقة حضرية بائدة. ويعزز ذلك بيت شعر قاله علي بن المقرب العيوني محفزاً قومه، في القرن السابع الهجري، يقول ابن المقرب:
والخط من صفواءَ حازوها فما
أبقوا بها شبراً إلى الظهرانِ

وتقع صفوى على مسافة 40 كيلومتراً إلى الشمال من الظهران، وهذه المسافة مشغولة بتكتلات سكانية كثيرة أهمها القطيف، وسيهات، والدمام.

أما القطيف فقد كانت أكثر الحواضر الساحلية نشاطاً سكانياً وتجارياً إلى ما قبل منتصف القرن الهجري الماضي. وضمن حدودها الجغرافية تقع جزيرة تاروت التي تعود بتاريخها إلى الدولة الفينيقية، حسبما دلت التواريخ والآثار المكتشفة فيها. وضمن الجزيرة يقع ميناء دارين الشهير في التاريخ العربي.

ولا تقل الأحساء شأناً في عمقها التاريخي، ومنذ القدم كان المثل العربي يقول: “كجالب التمر إلى هجر” تعبيراً عن غناها الغذائي المتركز في التمور ومحاصيل الزراعة. لكن التاريخ يكشف عن قيام الدولة الجرهائية في الأحساء حواليّ 500 ق.م، وقد اشتهر أهلها منذ القدم بالتجارة في الذهب والفضة، ولا يزالون ذوي اختصاص مشهور على مستوى المملكة.

م. نبيه البراهيم

——————-

اقرأ للطاقة

مصادر الطاقة في بحر قزوين

يعالج هذا الكتاب، الذي صدر عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، انعكاسات مصادر الطاقة في بحر قزوين على منطقة الخليج العربي.. وهو يقع في 297 صفحة من الحجم الوسط.

وتتوزع مادته على مجموعة مساهمات كتبها عشرة خبراء وباحثين في حقل الطاقة. استعرضوا فيها احتياطات الطاقة في بحر قزوين ونقاط الجذب ونطاق الاستثمارات الأجنبية والتعقيدات القانونية القائمة ووضع خطوط الأنابيب حاضراً ومستقبلاً والمخاطر التي تواجه إنتاج النفط وتصديره من المنطقة.

وإذ يشير المدير المشارك لشؤون بحر قزوين في مؤسسة كامبردج لبحوث الطاقة لورنت روسكاس في بحثه إلى أن الاحتياطات النفطية التي يمكن اعتبارها مؤكدة في منطقة بحر قزوين، وتحديداً في أذربيجان وكازاخستان وتركمنستان، تتراوح ما بين 25 و 30 بليون برميل، فإن الخبير الدولي روبرت أيبل يتحدث عن مخاطر جيولوجية وفنية وسياسية تواجه شركات النفط في البحث عن النفط الخام والغاز الطبيعي في هذه المنطقة، ما يقوده إلى القول “إن العالم لم يجد في نفط بحر قزوين بديلاً لنفط الشرق الأوسط”. ويوافقه الرأي، المتخصص في الاقتصاد السياسي ويلفرد كول، حين يخلص في بحثه عن تنمية نفط بحر قزوين وانعكاساتها على منظمة أوبك إلى أن “كلفة إنتاجه تفوق تكاليف الإنتاج في الخليج العربي ما يقلل من الاهتمام الدولي به”.

لكن على رغم أن سيطرة دول الخليج العربي المنتجة للنفط على السوق قد لا تتأثر على المديين القصير أو المتوسط، إلا أن أبحاث المجموعة في الكتاب تلفت إلى أن نفط بحر قزوين يشكل إضافة مهمة إلى إنتاج النفط من خارج منظمة أوبك لاحقاً.

أضف تعليق

التعليقات