ذاكرة القافلة

“جرش ترى النور من جديد”

تصفح المقال كاملاً

في عددها لشهر ربيع الآخر 1388هـ، (يونيو- يوليو 1968م)، نشرت “قافلة الزيت” استطلاعاً مصوراًبقلم فريال قطان حول مدينة جرش الأثرية في الأردن، وكان بعنوان “جرش ترى النور من جديد”. وفي ما يأتي بعض أبرز ما جاء فيه:

يطلق الغربيون صفة القدم على أي بنيان مضى على قيامه زهاء 500 سنة، بينما يختلف هذا المقياس لدى سكان الشرق الأوسط، الذين لا يطلقون صفة القدم على أي من المعالم الأثرية إلا إذا جاوز عمره الألف عام. وعلى هذا الأساس، فإن مدينة جرش الواقعة في الشمال الغربي من المملكة الأردنية الهاشمية، وعلى منتصف الطريق التي تربط بين العاصمة الأردنية “عمان” ومدينة “الرمثا” قرب الحدود السورية، تُعد مدينة قديمة نسبياً بمقاييس منطقة الشرق الأوسط. إذ أعاد الرومان بناءها حوالي عام 65 قبل الميلاد، وفي حوالي عام 1131 دمِّرت تدميراً كاملاً.

تاريخها القديم
ومع أن تاريخ بناء مدينة جرش أو “جراسا”، كما كانت في الأصل، يرجع إلى حوالي 5000 أو 6000 سنة، إلا أنَّ أهميتها التاريخية لم تبرز إلا في القرن الثالث أو الرابع قبل الميلاد. وتشير الروايات والمصادر التاريخية إلى أن “بطليموس” الثاني، أحد ملوك مصر القدماء، أسَّس مدينة في تلك المنطقة، بينما يذهب آخرون إلى أن الإسكندر الكبيـــر، أو أحد قادته، هو الذي أمر ببنــاء مدينة جرش.

ومما تذكره الروايات أن هذه المدينة الأثرية كانت في حالة جيدة في الوقت الذي جاء الرومان إليها. حيث كانت مركزاً مهماً على طريق القوافل التجارية الواردة من جنوب الجزيرة العربية إلى دمشق عبر مدينة البتراء، جنوبي الأردن. بيد أنها لم ترق لفاتحيها الجـدد، الذين بادروا إلى توسعتها وتجميل معالمها على أيدي أمهر البنائين والمهندسين في العالم…

استطاعت (جرش) أن تحتفظ بمكانتها ونشاطها كمدينة استراتيجية مدة طويلة من الزمن. وفي سنة 614، أي بعد حوالي 50 سنة من انتهاء حكم الإمبراطور البيزنطي “يوسطينيانوس” الأول، تعرَّضت جرش لغزو فارسي، أسفر عن تدمير أجزاء كبيرة منها. وبعد 20 سنة من هذا التاريخ، فتحها العرب. ثم تعرضت بعد ذلك لسلسلة من الهزات الأرضية العنيفة. ومع كل ذلك، وبالرغم من تدمير معظم أجزائها وفقدان ثلثي سكانها، بقيت جرش مدينة عامرة تنعم بأسباب القوة والحياة.

مدينة مندثرة
غير أن معالم هذه المدينة لم يشأ لها البقاء طويلاً، ففي الفترة الواقعة بين عامي 1118 و1131 تعرَّضت جرش لضربة قاضية إثر حملة قام بها “بولدوين” الثاني، أحد ملوك الصليبيين ودمَّرها تدميراً تاماً، حتى أصبح العرب يضربون المثل بخرابها، ولا يزالون، فيقولون “مثل خرائب جرش”. وهكذا دفنت هذه المدينة تحت الرمال التي كانت تسفوها رياح الصحراء يوماً بعد يوم لأكثـر من 800 سنة.

عودتها إلى الضوء
كانت بعض خرائب جرش ماثلة للعيان عندما مرَّ بها بعض الرحَّالة الأوروبيين، ومن بينهم عالم الآثار السويسري “بوركهارت” مكتشف البتراء في بداية القرن التاسع عشر. ولكن المدينة بقيت على حالها حتى سنة 1920، عندما بدأت حكومة شرقي الأردن آنذاك بعمليات الحفر والتنقيب عن آثارها التاريخية، وترميم بعض معالمها التي يعدها الخبراء وعلماء الآثار من أروع المعالم التي شهدتها عصور الإمبراطورية الرومانية.

أول ما يطالعه القادم من عمّان إلى جرش، قوس نصر ثلاثياً، بني حوالي سنة 129 كذكرى لزيارة الإمبراطور “هدريان”. ثم قاعة الشعب، بشكلها البيضاوي الفريد المحاطة بالأعمدة المنحوتة. فالشارع الرئيس، ويليه مباشرة العمود الوحيد الذي يشير إلى موقع هيكل “زفس” الروماني.

ومن الآثار المهمة التي تشملها خرائب جرش، المسرح الجنوبي الذي يتسع لأكثر من 4000 متفرج، والمجهز بوسائل سمعية جيدة.

أما الشارع الرئيس فهو مرصوف بالبلاط الحجري الكبير، ومحاط كذلك بحوالي 100 عمود، بعضها مشاد على الطراز الأيوني، والبعض الآخر على الطراز الكورنثي…. الأمر الذي يبعث على التساؤل: هل كان لدى الرومان عمَّال فنيون أكثر مهارة وقدرة من غيرهم؟ أو أنهم كانوا يستعملون مواد بناء أفضل من غيرهم؟ أو أنهم كانوا يملكون غير ذلك من الأسباب عجز غيرهم ممن سبقوهم أو جاؤوا بعدهم عن محاكاتها أو تحسينها؟

 

 

أضف تعليق

التعليقات