فنان و مكان

بوسعادة الجزائرية

تأسر ألفونس دينيه

artist portraitالفنان التشكيلي الفرنسي ألفونس إيتيان دينيه (1861 ـ 1929م) مستشرق أقام طويلاً في مدينة «بوسعادة» في جنوب الجزائر، وهي المدينة التي منحته المجد والشهرة، بينما فشلت مصر في اجتذابه، عندما زارها في عام 1889م برفقة صديقه الرسام لوروا.
وقد خلّد دينيه البوسعاديين في تراث تشكيلي باذخ، يصوِّر مختلف مظاهر الحياة الاجتماعية والدينية. ولم يكن دينيه مجرد فنان تشكيلي، بل اشتهر بكتاباته المناصرة للإسلام والرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم -، وولعه بالأدب العربي، وكذلك تصديه لمغالطات المستشرقين، وتنديده بالاستعمار الذي كان سائداً آنذاك.

أصوله
29-Etienne-Dinet-Le-jeu-de-la-Kouraيتحدَّر ألفونس إيتيان دينيه من وسط بورجوازي. ودرس الفنون في مدرسة الفنون الجميلة بباريس. وبعد تخرجه، لفت الأنظار إلى موهبته الفنية بأولى لوحاته المسمَّاة «الأم كلوتيد»، وهي لوحة لفلاحة مسنَّة من الريف الفرنسي تعتمر قبعتها البيضاء الخاصة بنساء الريف. فعُرضت هذه اللوحة في معرض باريس في 1882م.

وفي عام 1884م، حاز وسام «صالون قصر الصناعة»، وعلى منحة للسفر إلى الجزائر، التي أغرم بصحرائها. وشكلت رحلته العلمية الأولى هذه منعطفاً في حياته الفنية والشخصية، بعدما رسم «سطوح الأغواط»، وتعمق في دراسة مناظر الجنوب الجزائري فنيّاً.

استقراره في بوسعادة
580421_487533081325248_600410532_nفي عام 1885م، زار ألفونس إيتيان دينيه الصحراء الجزائرية مرة أخرى، وتعلق بمدينة بوسعادة وبواحاتها الغنَّاء. بعد ذلك بتسع سنوات، ودّع باريس وجذوره البرجوازية، وقرر الاستقرار في مدينة بوسعادة. وأوصى أن يدفن عند سطح هضبتها بعد أن يصلى عليه وفق التعاليم الإسلامية.

وعاش هذا الفنان في بيت متواضع، صار متحفاً أطلق عليه اسمه: «متحف ناصر الدين دينيه».

تأثر الفنان ألفونس إتيان دينيه بعادات وتقاليد بوسعادة وأخلاق أهاليها العرب والمسلمين. وبعد تأمل وتمحيص للإسلام، أشهر إسلامه أمام مفتي الجزائر في 1913م، بعد «دراسة تاريخية عميقة طويلة الأمد لجميع الديانات» على حدّ قوله. وغيّر اسمه من ألفونس إتيان دينيه إلى ناصر الدين دينيه. لكن إسلامه قوبل بانتقادات واسعة، حيث وصفه الأوربيون بخائن الغرب، وتم تهميشه فنيّاً. وفي عام 1929م، يمّم ناصر الدين وجهه شطر بيت الله الحرام لأداء فريضة الحج، وهو في سن الثامنة والستين.

لوحاته
32-Etienne-Dinet-Sur-les-terrasses-un-jour-de-feteبرعت لوحات الحاج ناصر الدين، كما أطلق عليه فيما بعد، في رسم تفاصيل الحياة اليومية في الجنوب الجزائري. فعبَّر عن ولعه بالصحراء، موثقاً بساطة الحياة وزهد الناس، وإصرار البدو على الحياة وتمسكهم بها. وبدت سرمدية الصحراء سرّ أعماله الفنية، متجسدة في مشاهد الشفق، والغسق، والتلال. وعبّرت لوحاته بدقة عن مختلف الحالات النفسية والاجتماعية كالبؤس والفرح والأمومة. ورغم طغيان تعابير الشجن والبؤس على ملامح شخصياتها، فهي مفعمة بالحياة، تحتفي بالعاطفة والبهجة.

«ليس أدلّ على تنديده بالاستعمار من لوحاته التي ساند بها القضية الجزائرية، مثل لوحات: العماء، وعهود الفقر، والأهالي المحتقرون.. التي تصوِّر ظلم الاستعمار الفرنسي، وتصرخ فيها الخطوط والألوان في وجه الممارسات الاستعمارية»..

11-Etienne-Dinet-A-la-fenetreتبدو لوحاته الفنية وكأنها صور حية ناطقة، وهي توظف – في بذخ شعري- الألوان والأضواء والظلال، من خلال رسم مفردات الصحراء وتفاصيلها الساحرة.

أما سرّ خلود أعمال ناصر الدين فهو في براعته في تصوير نساء بوسعادة، أو «النايليات» – نسبة إلى شخصية تاريخية تُعرف محلياً باسم الولي الصالح سيدي نائل -، واللواتي يأسرن بصر الناظر إليهن ببهائهن الصحرواي، وهو يلتحف الخفر والجمال المستتر.

ويرى الباحث المصري د. سيد علي إسماعيل أن لوحات الحاج ناصر الدين شكلت بداية فنية للحركة التشكيلية في الجزائر، بفضل صدق تعبيرها الفني، وقدرتها على تجسيدها لحياة الإنسان في الصحراء، وموهبته الكبيرة في التعامل مع اللون والضوء والظلال.

 

أضف تعليق

التعليقات