علوم

«الهايبرلوب»..

سكّة فائقة نحو المستقبل

«تخيلوا تقنية تجمع طائرة الكونكورد وقطار الطلقة وطاولة لعبة الهوكي الهوائية!». بهذه الكلمات كشف رجل الأعمال الشاب إلُن مَسك عن تصوره لنمط جديد من المواصلات العامة في يوليو 2012م، يراد له أن يسخِّر النظريات الفيزيائية عبر تقنيات متقدِّمة لابتكار جديد في مجال النقل فائق السرعة. ويواصل مَسك سرد مواصفات وسيلة النقل الجديدة، التي أطلق عليها اسم «هايبرلوب»، بقوله إنها ذات مناعة ضد الأحوال الجوية، وذات عربات لا تتعرَّض للاصطدام أبداً، وذات سرعة تبلغ ضعف سرعة طائرة نفَّاثة، وإنها تتطلب قدراً أقل من الطاقة، وتعمل 24 ساعة يومياً.
يجادل كثيرون بأن هذه محض أفكار خيال علمي. لكن بالنظر إلى تاريخ صاحب المبادرة المترع بالإنجازات التقنية الفذة، والحماسة البالغة التي تلقَّى بها مجتمعا المال والتقنية الأمر، فلعل المستقبل الذي يبشِّر به الهايبرلوب هو أقرب مما نتصوَّر.

ما معنى هايبرلوب؟
في البدء سنفكِّك هذه الكلمة الإنجليزية. وقد يستهجن القارئ العربي المصطلح، أو قد يسلّم به ويأخذه كما هو مثلما هو الحال مع «الإنترنت» و«الراوتر» و«الجي بي إس» وسواها من المصطلحات الأجنبية التي تم تبنيها في القاموس المحكي.. لكن جزءاً من فهم الأفكار التي يستعرضها هذا المقال مبني على فهم الكلمة والمكوّنة من شقين: هايبر، ولوب.

أما هايبر Hyper فبادئة ذات أصل إغريقي، وتفيد الفوقية أو الزيادة على الحد. والترجمة المناسبة لها في هذا السياق هي: فائق أو مضاعف.

وأما Loop فترجمتها الحرفية هي «حَلَقَة». وقد تترجم إلى «أنشوطة». والحقيقة أن كل ما يفيد التكرار والإعادة تخدمه لفظة «لوب» هذه. لكن بالنظر إلى تصميم تقنية النقل التي نستعرضها هنا، فالحلقة المعنية تمثلها الأنابيب المفرغة التي تتنقل داخلها عربات هذا القطار الانزلاقي الفائق السرعة. وتعتمد هذه الأنابيب على تقنيات تدوير الهواء لخلق البيئة المناسبة لانطلاق عربات القطار بلا قضبان داخل الأنابيب المعنية.

فالهايبر لوب والحال كذلك، هو «السكّة الخارقة» مقارنة بالسكة الحديدية وبالسكك السماوية – الطيران – وبخطوط البر والبحر التقليدية، التي جاءت الهايبرلوب لتنافسها كنمط خامس وجديد للمواصلات.

لكن، لماذا تحظى الهايبرلوب بكل هذا الاهتمام؟ وما الدافع للتفكير بها أصلاً؟ إجابات هذه الأسئلة مرتبطة بشخص صاحب الفكرة، إلُن مَسك الذي نستعرض سيرته بشكل سريع كمدخل للفهم.

مَنْ هو إلُن مَسك؟
ولد إلُن رييف مَسك عام 1971م في جنوب إفريقيا لأب جنوب إفريقي وأم كندية. بعد تخرجه من الثانوية، حصل على الجنسية الكندية عن طريق والدته، ثم انتقل إلى مدينة كينغستُن الكندية والتحق بجامعة كوينز. بعد سنتين، انتقل إلى جامعة بنسلفانيا الأمريكية وتخرّج بشهادتي بكالوريوس في الفيزياء والاقتصاد. وكان ينوي مواصلة مسيرته الأكاديمية حين انتقل لكاليفورنيا ليبدأ برنامج دكتوراة في الفيزياء التطبيقية في جامعة ستانفورد، إلا أنه ترك العالم الأكاديمي بعد بضعة أيام مفضلاً عالم الأعمال بآماله وتحدياته.

في بدايته كرجل أعمال عام 1995م، اقترض إلُن مع شقيقه مبلغاً من المال من والدهما، وأسسا شركة تُعنى بخدمة مواقع الجرائد الورقية على شبكة الإنترنت، ولحسن الحظ استحوذت عليها شركة كومباك في عام 1999م، وكان نصيب إلُن من هذه الصفقة 22 مليون دولار. وأسهم الأخوان بعدها في تأسيس شركة أخرى للخدمات المالية تمخضت، بعد اندماجها مع شركة أخرى، عن تأسيس شركة باي بال Paypal المعروفة عام 2001م. وانتهى بها المقام بصفقة استحواذ ضخمة قامت بها شركة إي بي eBay بلغت قيمتها 1.5 مليار دولار، وكان نصيب إلُن في الصفقة 165 مليون دولار. وكان ذلك في أكتوبر عام 2002م، وكان عمره وقتها 31 سنة.

هذه النجاحات الأولية يستعرضها مريدو إلُن مسك ليقارنوا بينه وبين الشخصية التخيلية «طوني ستارك» بطل سلسلة Iron Man، التي تجسِّد سيرة شاب عبقري ثري يسخِّر تقنياته المتقدِّمة لأجل الخير والرفاه العام!

النقل والطاقة
وكما هو الحال مع طوني ستارك، كانت لدى مَسك قناعته الراسخة بضرورة مجابهة التحديات العظمى التي تواجه البشرية، فقرر توظيف مواهبه وتجربته، التي أتته بثروة طائلة. وبعد دراسة، استنتج مَسك أن أهم التحديات تقع ضمن عنوانين كبيرين: «النقل» و«إنتاج الطاقة». وبهذه القناعة الراسخة وإرادته الصلبة، استطاع مَسك أن يؤسس عدداً من الشركات المتخصصة. فأسس في 2002م شركة SpaceX للنقل الفضائي، وذلك لتحقيق هدف بعيد المدى: توطين البشر على كوكب المريخ!

وفي عام 2004م استثمر إلَن مبالغ طائلة في شركة Tesla Motors الناشئة والمتخصصة في صناعة السيارات الكهربائية. ولم يكتف بذلك، بل قدّم فكرة تأسيس شركة Solar City المتخصصة في توليد الطاقة الشمسية، فقام بدعم مؤسسيها، ابنا خاله، بتمويل سخي.

الهايبرلوب كفكرة
تكلَّلت مشاريع إلُن مَسك وجهوده بالنجاح. وبناءً عليها، تكوَّنت لدى الرأي العام ولدى كبار المستثمرين ثقة عظيمة في عقلية إلُن مَسك ورؤيته للمستقبل على صُعُدٍ صناعية وتقنية ومالية. فليس غريباً أن تحصل فكرته لنمط نقل خامس، متمثلاً في التقنية التي سمَّاها هايبرلوب، على اهتمام المتابعين والفاعلين على حدٍّ سواء في مجالات الإعلام والمال والصناعة والتقنية.

بدأ مَسك بالتفكير بالهايبرلوب بعد الإعلان عن قطار «كاليفورنيا الفائق السرعة» الجاري إنشاؤه الآن، ولن يتم إنجازه إلا عام 2029م بميزانية تصل إلى 60 مليار دولار. وجد مَسك أن هذا القطار سيحتاج ساعتين وأربعين دقيقة للوصول من لوس أنجلوس إلى سان فرانسيسكو، مدينتي ولاية كاليفورنيا الرئيستين حيث إن سرعته 350 كلم في الساعة. لم تعجب مَسك هذه الأرقام، إذ بمقارنتها بقطارات منافسة في اليابان مثلاً، فسيكون هذا القطار أحد أغلى قطارات العالم تكلفة وأبطأها! وهو ما أثار حنق مَسك وغيرته على ولاية كاليفورنيا، التي رأى أن مثل هذا القطار لا يليق بها وهي تُعد رائدة في المجالات التقنية والصناعية.

بعد طرح الفكرة علناً، تحاشى مَسك الحديث المفصَّل عن الهايبرلوب في مقابلاته مكتفياً بأقل قدر من التصريحات. واستمر هذا «الصمت النسبي» حتى أغسطس 2013م حين تبيَّن أن مَسك جمع ألمع مهندسيه من شركاته الثلاث، سبيس إكس وتِسلا وسولار سيتي، وشكلوا فرقاً لطرح الهايبرلوب كتصور متكامل تقنياً وتمويلياً. وفي 12 أغسطس، نشر مَسك على مواقع شركاته ورقة عمل من 57 صفحة تشرح بالتفصيل مواصفات الهايبرلوب ومميزاته وأهم المشكلات التي تواجه بناءه على أرض الواقع. وقد أُطلق على هذه الورقة اسم «هايبرلوب آلفا».

الفكرة الأساسية لهايبرلوب هي القدرة على نقل الركاب من لوس أنجلوس إلى سان فرانسيسكو، أي مسافة 570 كم، خلال 35 دقيقة، بسرعة متوسطها 962 كم/الساعة، وسرعة قصوى تصل إلى 1220 كم/ساعة. أما التكلفة فتُقدَّر بحوالي 6 مليارات دولار في حال إنشائه لنقل الركاب فقط. أما عند إنشاء هايبرلوب لنقل الركاب والبضائع فستزداد التكلفة إلى 7.5 مليار دولار.

توظف الهايبرلوب عدة تقنيات مختلفة. فهي عبارة عن حجرة أو كبسولة مجهزة بمقاعد، تنطلق في جوف أنبوب مصنوع من الصُلب، مفرغ جزئياً من الهواء لتقليل أثر مقاومة الهواء قدر الإمكان. وتطفو كل كبسولة على طبقة من الهواء يتراوح سمكها بين 0.5 و1.3 ملم. بهذه الطريقة، تسمح هذه الطبقة الهوائية للكبسولة بالانزلاق عبر الأنبوب لأننا قلَّصنا مقاومة الهواء ولأننا لم نعد بحاجة لعجلات فإننا سنتخلص من الاحتكاك الناتج عنها. وعلى جوانب الأنبوب توجد سلسلة من محركات الحث الكهربائي التي تتحكم بتسارع وتباطؤ الكبسولة لتسير بالسرعة المناسبة لموقعها في الأنبوب. وللاستفادة من الهواء القليل الموجود في الأنبوب، يتم تركيب ضاغط هوائي Air Compressor ومروحة على مقدمة الكبسولة لتنقل الضغط العالي من أمامها إلى خلفها، وذلك لحل مشكلة تولُّد الضغط العالي في مقدمة الكبسولة بسبب الفراغ النسبي. وبالعملية نفسها يتم نقل الهواء ليَمُرَّ أسفل الأنبوب ليسهم في الطبقة الهوائية المذكورة أعلاه.

أما بشأن الركَّاب، فتقترح الورقة نوعين من الكبسولات، نوع يُقلّ الركَّاب فقط ونوع يقلّ الركَّاب مع سياراتهم. ويراعى في تصميمها جميع جوانب السلامة والأمان والراحة، بحيث لا تؤثر السرعات العالية ولا التسارع على تجربة ركَّاب الكبسولة منذ انطلاقها إلى وقوفها في المحطات المخصصة لذلك. مع العلم بأن تصميم عربات الركاب لن يتضمن نوافذ، لاستحالة استيعاب المناظر الخارجية بالنظر للسرعة الهائلة. وعوضاً عن النوافذ ستكون هناك شاشات تعرض مناظر مختارة توحي بالانطلاق الهادئ عبر الحقول أو زرقة السماء.

ولحمل الأنبوب الذي تنزلق بداخله الكبسولة، سيتم تشييد سلسلة من الأعمدة من الخرسانة المسلحة. يجب أن تتميز هذه الأعمدة بقدرتها على تحمُّل العوامل الطبيعية كالحرارة العالية والزلازل حفاظاً على سلامة الركاب وضمان وصولهم إلى محطاتهم. وتقترح الورقة أن يكون معدل ارتفاع الأعمدة ستة أمتار وأن تفصل بينها مسافة 30 متراً. وهذا يعني أن عدد الأعمدة على المسار المقترح سيكون 25,000 عمود.

وفي ختام الورقة تنويه بأن مشروع هايبرلوب هو مشروع «مفتوح المصادر»، تمت دعوة أفراد المجتمع بكل أطيافه للمشاركة عملياً في تصميمه. وتقترح الورقة أربعة مجالات تستحق الدراسة. الأول هو استكشاف طرق التحكم بالكبسولات، والثاني هو تصميم محطات تيسِّر إدارة حشود الراكبين والمغادرين من وإلى الكبسولات بنوعيها. والمجال الثالث المقترح هو دراسات مقارنة للهايبرلوب مع القطارات المغناطيسية المعروفة من حيث التكلفة والفوائد. والمجال الرابع والأخير هو بناء نماذج مصغرة للهايبرلوب وإجراء التجارب والاختبارات عليها للتوصل إلى التصميم الأفضل.

أصداء الهايبرلوب
ونظراً لثقة المجتمع العلمي ومجتمع رواد الأعمال على حدٍّ سواء بمواهب إلُن مَسك كرجل أعمال ورجل صناعة، فقد تسبب نشر هذه الورقة بحراك غير عادي وغير متوقع. ففي سبتمبر عام 2013م، أي في الشهر التالي لنشر ورقة العمل، قامت شركة Ansys Corporation المتخصصة في برمجيات المحاكاة بعمل برنامج يحاكي القوى الديناميكية التي ستؤثر على سير الهايبرلوب. وقد أضاف هذا البرنامج مزيداً من المعلومات بخصوص نوعية التحديات التي تواجه مشروع الهايبرلوب على أرض الواقع.

وفي أكتوبر من نفس السنة، صممت شركة OpenMDAO برنامجاً يحاكي نظام الدفع في الهايبرلوب يساعد على دراسة كل جزء منه على حدة، لاكتشاف خصائصه وما سيواجه تصميمه من تحديات. وقد نتجت عن هذا البرنامج أوراق بحثية كثيرة اقترحت كثيراً من التغييرات والتعديلات في النظام الحراري للكبسولة.

وفي نوفمبر، أجرت شركة MathWorks المتخصصة في برامج الحوسبة الرياضية، دراسة لأثر مسار الهايبرلوب على راحة الركَّاب أثناء رحلتهم، وقدّمت كثيراً من الاقتراحات لتحسين المسار بما يتناسب مع تجربة الركاب.

ولم تسلم فكرة الهايبرلوب من الانتقادات. ففي موقع Quora، استعرضت المهندسة المدنية كريستن راي كثيراً من المشكلات والأخطاء في تصميم الأعمدة الحاملة لأنابيب هايبرلوب. أما الصحفي المتخصص في تمويل مشاريع البنية التحتية رينيه لافانشي، فقد وجد في تقديرات تكلفة تشييد هايبرلوب مبالغة شديدة. ويتفق معه المدون المتخصص في شؤون المواصلات آلون ليفي، ويضيف إلى ذلك احتمالية إصابة الركاب بالدوار نتيجة للسرعات غير العادية التي تحتاجها الهايبرلوب للعمل بشكل سليم.

إلا أنَّ ما رآه هؤلاء وغيرهم عقبات تحول دون تحقيق حلم الهايبرلوب، رأى غيرهم فيها تحديات وفرص. فنشأت شركات كاملة لتحويل هذا الهايبرلوب إلى واقع. ولعل في هذه الفورة القائمة على حس «إعلان» لفكرة ما يعطي تصوراً عن مدى المصداقية والجدوى العالية التي للفكرة وصاحبها.

ففي شهر إطلاق ورقة العمل نفسه، قامت شركة JumpStarter, Inc. بتأسيس شركة Hyperloop Transportation Technologies أو HTT اختصاراً. وعقدت شركة HTT تحالفات مع عدة شركات متخصصة وجامعات رفيعة المستوى لتأسيس البنية التحتية اللازمة للشروع بهذا المشروع الضخم. وفي ديسمبر عام 2014م أصبح لدى الشركة 100 مهندس يعملون في جميع أنحاء الولايات المتحدة. وفي فبراير عام 2015م ارتفع عدد المهندسين إلى 200، وعليه تنوي الشركة رفع رأسمالها إلى 100 مليون دولار. وتقدِّر الشركة أن هناك حاجة إلى عشر سنين من العمل المتواصل للوصول للنتيجة المطلوبة.. وتؤكد أنها لن تكتفي بالهايبرلوب وسيلة نقل بين لوس أنجلوس وسان فرانسيسكو فقط، فقد أعلنت عن نيتها لبناء هايبرلوب ينقل الركاب بين مدينتي نيويورك وواشنطن دي سي خلال ثلاثين دقيقة! وأثار نشاطها انتباه حكومة دولة سلوفاكيا التي أدرجت الهايبرلوب ضمن خططها المستقبلية.

وثمة شركة أخرى نشأت لتحقيق حلم الهايبرلوب هي «هايبرلوب وَن» التي جعلت هدفها تحقيق نظام متكامل لعمل الهايبرلوب بحلول عام 2020م. إلا أن تصورها للهايبرلوب هو أن تكون لنقل البضائع فقط، وتتطلع إلى اختبار ذلك في صحراء نيفادا بسرعات تصل إلى 1100 كم في الساعة في نهاية عام 2016م. وقد وجدت شركاء في عدد من الموانئ المهمة مثل لوس أنجلوس ولونج بيتش في كاليفورنيا بالإضافة إلى عدد من الشركاء في روسيا وفنلندا وسويسرا والسويد، ومؤخراً الإمارات العربية المتحدة حيث وقَّعت هيئة الطرق والمواصلات في دبي، اتفاقية مع شركة هايبرلوب وَن في نوفمبر 2016م لتنفيذ مشروع لدراسة إطلاق القطار فائق السرعة، على أمل تسيير رحلات تقطع المسافة بين دبي وأبو ظبي في 12 دقيقة، وبين دبي والرياض في 45 دقيقة.

أين إلُن مَسك من كل هذا؟ بعد إطلاق الورقة أعلن مَسك أنه في خضم إدارة ثلاث شركات كبيرة ولا يملك الوقت الكافي لإدارة شركة رابعة. وكان هذا هو سبب إطلاق ورقة العمل وتحفيز مجتمعي الأعمال والمتخصصين على تحقيق الهايبرلوب. إلا أنه في ظل اهتمامه بتطوير فكرة الهايبرلوب ومساعدتها على النهوض، أطلق مسابقة، عن طريق شركته سبيس إكس، لتصميم الكبسولة بنوعيها.. وفور إعلان المسابقة، تقدَّم أكثر من 700 فريق للمشاركة، وبعد تصفيات بقي 120 فريقاً فقط، قدموا تصاميمهم النهائية لاجتياز المرحلة الأولى من المسابقة في يناير 2016م في ولاية تكساس. وتم توزيع خمس جوائز في هذه المرحلة استعداداً للمرحلة الثانية في يناير 2017م.

ماذا بعد؟
ستُشكل فكرة الهايبرلوب في حال تجسَّدت ثورة عظيمة في عالم المواصلات. ويتنبأ القائمون على شركة HTT بتغييرات ستطول وسائل المواصلات الأربع التقليدية. ففي عالم السيارات سيسهم الهايبرلوب في تخفيف الازدحامات على الطرق السريعة التي تربط المدن الرئيسة ببعضها. كما ستسهم الاستفادة من الهايبرلوب كوسيلة لنقل البضائع في تقليل عدد الشاحنات كبيرة الحجم ومزاحمتها للسيارات على الطرق السريعة في ساعات الذروة. وأما الطيران فمع ازدياد الاعتماد على الهايبرلوب في نقل البشر والبضائع بين المدن فستكون الطائرات مخصصة للرحلات الطويلة ولأنواع محدَّدة من البضائع. بل إن هناك من يتوقع أنه مع قلة الحاجة للطائرات سنتمكن من تحويل بعض المطارات المحلية المتناثرة إلى محطات للهايبرلوب. أما السفن فقد يخفف الهايبرولوب من الاعتماد عليها لو صار بديلاً أقل تكلفة وفاعلية لنقل البضائع براً بدلاً من النقل البحري التقليدي. وأما السكك الحديدية فيرى كثيرون فيها مجرد عقبة يسهل تخطيها نظراً لجاذبية الهايبرلوب تكلفةً وتقنيةً.

ومما يميِّز الهايبرلوب عن وسائل المواصلات الأربع التقليدية أن القائمين على تطويره يسعون إلى انطلاقة خضراء تأخذ بعين الاعتبار تأثير هذه التقنية على البيئة المحيطة. فهم يسعون إلى تفادي زيادة معدلات التلوث المرتفعة الآن في كثير من الدول الصناعية. وستُشَكِّل هذه الخطوة سابقة في عالم المواصلات حيث إن وسائل المواصلات التقليدية نشأت في عصور كان الوعي فيها بأثر التقنية على البيئة معدوماً. وفي ظل الوعي المعاصر بدور الإنسان في تلويث البيئة، أصبح من الضروري تأسيس تقنية الهايبرلوب بصورة تعكس هذا الوعي. وهو ما يشكِّل تحدياً جاداً من ناحية المواد المستخدمة لتصنيع الهايبرلوب والتقنيات المستخدمة لبنائه وأخيراً التقنيات المستخدمة لإدارته والتحكم بها. كما أن إعداد الهايبرلوب ليحل محل وسائل المواصلات الأربع التقليدية سيؤدي لتقليل عددها وبالتالي إلى المساهمة في مكافحة التلوث الناتج عن هذه الوسائل من الأصل.

والأثر الأهم لتقنية الهايبرلوب سيكون دورها في تقريب المسافات بشكل غير مسبوق على مستوى الممارسة اليومية. فلن يتحكم مقر عمل الإنسان بمكان عيشه وسيتمكن كثيرون من توسيع نطاق العمران للمدن والقرى بشكل مستقل عن المناطق التجارية والصناعية التي طالما تحكمت بخطط توسع المدن في الدول الصناعية. ومع الهايبرلوب سيتمكن الأقارب والأصدقاء من تقوية علاقاتهم الاجتماعية مهما كانت المسافة التي تفصل مدنهم وقراهم.

ومن ناحية مالية، سيغيِّر الهايبرلوب سير أعمال قطاع المواصلات العامة. فمن المعروف عن هذا القطاع أنه لا يجد للربح سبيلاً، وجل اعتماده هو على المساعدات الحكومية. وهذا ما نلاحظه في شبكات مترو المدن الكبرى من القاهرة إلى نيويورك التي يعتمد سكانها على القطارات للتنقل داخلها وخارجها. أما الهايبرلوب فتسعى جميع الشركات التي تعمل على تطويرها إلى خلق نموذج اقتصادي يدر الأرباح على الشركات المشغلة لهذا النظام الجديد.

 

أضف تعليق

التعليقات