الحياة اليومية

مفارقات المراهقة في الرياضة المدرسية

ما الذي يرتسم في أذهاننا عند الحديث عن الرياضة المدرسية؟ الملاعب الخضر التي يتعلم فيها الناشئة أصول التنافس النظيف؟ تربيت الوالدين والمدرسين على الأكتاف، ما يحفز على استكمال التفوق الرياضي بالإنجاز الأكاديمي؟
الدكتور أحمد مغربي٭ يجيب هنا عن هذه الأسئلة فيركز أولاً على ما آلت إليه الرياضة المدرسية في الغرب ويفاجئنا بوجود وجه مظلم لها. ويلحق مقالته بضوء مركز على واقع الرياضة المدرسية العربية.

1
في الغرب: المراهقون يستخدمونها لتعزيز ذواتهم

منذ ستينيات القرن الماضي، لاحظ علماء النفس والتربية في الغرب ظاهرة “ثقافة المراهقة” باعتبارها بديلاً، وأحياناً نقيضاً، للثقافة السائدة اجتماعياً. وناقش الأميركي يان كولمان (1961م) الأمر من باب أن المراهقة باتت تشكل “ثقافة بديلة” في المجتمع الحديث. وأرجع ذلك إلى تزايد أثر الحداثة والتصنيع في المجتمعات، مع ما يرافق ذلك من تزايد في الانفصال بين الأكبر سناً والأصغر، وتضاؤل فرص نقل القيم بين الأجيال، بالمقارنة مع المجتمعات الزراعية التي يتداخل فيها الآباء والأبناء في العمل كما في الأماكن العامة والمنزل وما إلى ذلك. وأثبتت مجموعة من الدراسات الاجتماعية لاحقاً مقولة ثقافة المراهقة، وتعتبر الرياضة المدرسية محكاً مهماً لظهور هذا التناقض. فقد دلّت دراسة عالم الاجتماع الأميركي جيروم فورناس (1995م) أن الأهل يفترضون أن الأولوية في النظام المدرسي هي للأداء الأكاديمي والتفوق العلمي. وفي المقابل فإن المراهقين يعطون الأولوية للأداء العالي في الرياضة المدرسية، وبدرجة أقل للعلاقات الاجتماعية، على حساب مكانة التفوق الأكاديمي. والمفارقة أن تقدم المراهقات في الرياضة المدرسية ترافق مع انتقال في التفكير لديهن. واحتلت صورة المراهقة المتفوقة في الرياضة المدرسية مكاناً متقدماً على حساب مكانة التفوق الأكاديمي، أي أن شيئاً ما من النظرة الذكورية إلى الرياضة المدرسية تسرب إلى الإناث.

وهنا لا بد من التمهل قليلاً. الأرجح أن التطرف في عداء الرياضة المدرسية أمر يفتقد إلى الموضوعية تماماً. صحيح أن الجسد بات موضوعاً مركزياً في ثقافة المراهقين، لكن رياضة المدرسة لها جوانب إيجابية تماماً. ودلت الأبحاث المدققة لعالم النفس البريطاني هيربرت مارش (1992م)، الذي تخصص في أبحاث التعليم، أن الطلبة الذين يشاركون في فعاليات اجتماعية متعددة في المدرسة، يتفوقون في الرياضة وفي الأداء الأكاديمي في الوقت نفسه. ولعل الدراسة الأشد تشاؤماً في أثر الرياضة المدرسية هي تلك التي أجراها الأميركي ألييس هولاند، بروفسور في جامعة أيوا، متخصص في أبحاث المراهقة. وجزمت هذه الدراسة بأن التلاميذ المتفوقين في الرياضة هم ذكوريون، ومتفاخرون برجولتهم، وتقليديون في التعامل مع الإناث إلى حد احتقار المرأة، ولا يشاركون في النشاطات الاجتماعية الأخرى في المدرسة. وهذه الفئة، للأسف، ضعيفة في الأداء الأكاديمي. وهنا تكاد الأمور تصل إلى حد رسم “نموذج” سلبي عن أثر الرياضة المدرسية، ليس ببعيد عما يدور من نقاشات معروفة في بيوت عربية كثيرة عندما تلاحظ العائلة ميلاً قوياً لأحد ذكورها نحو الرياضة على حساب الدراسة.

وفي المقابل فإن الفئة اللامعة هي تلك التي تشارك في نشاطات اجتماعية عديدة في المدرسة، وتمارس الرياضة ضمن المعدل العادي أو أقل قليلاً. مرة أخرى، تبدو الأمور قريبة إلى بداهة عامة لا يصعب على أية أسرة عربية إدراكها.

والمفارقة أن هذه الدراسة هي الأحدث، وقد نشرت في أوائل العام 2000م في مجلة “المراهقة”. إنه افتتاح متشائم للقرن الحادي والعشرين على ذكور أكثر فتنة بالعضلات وأكثر انسياقاً مع هرموناتهم الذكورية، ولا يتدخل العقل لديهم للجم هذا الشطط إلا قليلاً … قليلاً!

وقبل القنوط، يجدر تذكُّر الدراسة التي قام بها الاختصاصيان في علم النفس الاجتماعي البريطانيان إليوت سايندر وإلياس سبرييتزر (1992م). وقد التقطت هذه الدراسة الحساسة الأبعاد النفسية المرتبطة بالمراهقة. واستطاعت أن ترسم صورة انسجمت فيها الكثير من الأشياء التي تبدو متناقضة ظاهرياً. فالموضوع المركزي للمراهق هو تقييم الذات Self-Esteem. وقد تَبَيَّن لهذين العالمين أن الفئة المبدعة أكاديمياً هي تلك التي تمتعت بأعلى قدر من الرضا عن الذات. ويبدو الأمر في هذه الحالة منطقياً تماماً: يسعى المراهق أساساً إلى تأكيد ذاته وتتدخل عوامل عديدة في تحديد “المكان” الذي يمنحه هذا الاكتفاء.

من هنا فإن الرياضة المدرسية توفر فرصة للبروز ولرفع تقييم الذات. في هذه الحال، يتساوى الإنجاز الرياضي في المعطى النفسي مع الإنجاز الأكاديمي. هنا منعطف خطر إذ يمكن أن تُشَكِّل الرياضة أداة إضافية في يد الطالب لتعزيز صورة ذاته، وفي المقابل، فإن الاستغراق في هذه “اللعبة” للحصول على الرضا النفسي هو خطر تماماً. فعندما تتحول الرياضة لتكون الوسيلة الوحيدة التي يحصل من خلالها المراهق على ما يعزز ذاته فإنه يقع في “فخ” التركيز الفائض على الرياضة من أجل الحصول على الرضا النفسي والإحساس بالتساوي مع أولئك المتفوقين في التحصيل العلمي. إنه اختلال المعادلة، وهناك عوامل كثيرة تلعب دورها في استدراج المراهق إلى هذه النقطة الخطرة. لا ريب في أن ثقافة المظهر، أو الـ “لوك” Look السائدة تعزز مظهر الجسد الرياضي وتعطيه أولوية قصوى. ومن يتابع الإعلانات التلفزيونية، يجد وفرة غير طبيعية في وجوه الرياضيين باعتبارهم نموذجاً. وفي كرة القدم بالذات، يبدو الأمر واضحاً. كم مرة ترى رونالدو، وروبرتو كارلوس، وريفالدو، وزين الدين زيدان، وبيكهام وغيرهم على الشاشات؟ إن وجودهم يثير ضجة تضرب دماغ المراهق ضرباً قوياً. ويجدر بالأهل والمدرسة التنبه إلى دورهم الشديد الحساسية. إن مراهقاً يتعرض للضرب في المنزل، مع ما يرافق ذلك من أحاسيس بالمهانة وانحطاط قيمة الذات، يصبح مرشحاً للاندفاع الأعمى نحو الرياضة للتعويض عن مهانة البيت، وهذا مجرد مثال صغير. على المدرسة البحث عن نقطة التوازن بين رغبتها في البروز في الرياضة المدرسية، وما يرافق ذلك من تكريم قوي لإنجازات المتفوقين، وبين التنبه إلى تكامل الرياضة مع مجمل النظام المدرسي، أي إعطاء وزن موازٍ للمبرزين في الأنشطة الاجتماعية في المدرسة، إضافة إلى الإنجاز الأكاديمي. لا بد من شفافية ووضوح بين أطراف هذا المثلث: البيت والمدرسة والمراهق. الأرجح أن الأمر يتعلق بثقافة المجتمعات العربية في هذا المحك الصعب.

المنشطات المبكرة و الجينات المرعبة
من المريح أن تميل الدراسات عن الرياضة المدرسية إلى رصد أثرها الإيجابي أمام مشكلة تعاطي مواد التَعوُّد. وتتقاطع دراسة أجراها الطبيب النفسي البريطاني ريتشارد شيبرد (2000م) مع تلك التي أجراها الأميركي آدم نايلور، من جامعة بوسطن (2001م) والتي تشير إلى أن الرياضة المدرسية تسهم في دفع أجيال الشباب المعاصر نحو نمط حياة أكثر صحة في الوقت الذي تنخفض فيه نسب تعاطي مواد الكيف بينهم عن أقرانهم. ودققت الدراستان كلتاهما في مسألة تعاطي المنشطات، كالامفيتامين، وكذلك المواد التي تزيد من ضخامة العضلات، مثل الستيرويد. والحال أن الرياضة عموماً تعيش حالة من انتشار “وباء” تعاطي هذه المواد، لكن لم يلحظ أي وضع خاص للرياضة المدرسية في هذا المجال. والأرجح أنها تتساوى مع سواها في هذا المجال، ما يوجب وجود انتباه خاص من الأهل. ومن المفيد أن تمارس ضغوط اجتماعية على المدارس بهدف عدم المبالغة في أهمية الفوز في المسابقات على حساب مستقبل الأجساد الرياضية الشابة. والحال أن مقالاً موسعاً عن العلاقة المعقدة بين الرياضة وسوء استعمال المواد والميل إلى السلوك الخطر سبق أن نشر في عدد سابق من القافلة.

لكن المستقبل يحمل احتمالا لا يقل خطورة، وهو الأثر المحتمل للتقدم في علوم الجينات على الرياضة المدرسية. ويحتاج هذا الأمر إلى نقاش مستقل. وفي قول موجز، يمكن القول أن كثيراً من جهود العلماء تنصب على محاولة اكتشاف العناصر الوراثية المرتبطة بارتفاع الأداء الرياضي. وتوصلت الأبحاث إلى تحديد بعض الجينات التي تتحكم بعمل بروتين العضلات وتؤثر في عملها وتغذيتها الدموية وما إلى ذلك. وما يهم في المقال الحالي، هو أن الكثير من هذه الأبحاث تُركز على الرياضة المدرسية تحديداً. فالرياضي الذي يبرز في سن مبكرة ربما كان هو الشخص الذي يحمل في تركيبته الجينية الوراثية ما يؤهله لمثل هذا البروز! ولنا أن نذكر مثلاً العدَّاء الكندي هانك بالمر، وهو من أصول إفريقية، الذي خضع لأبحاث مكثفة من قبل علماء الجينات نظراً لتفوقه في سباقات الجري في مسابقات عالمية للرياضة المدرسية أجريت في مدينة “كان” الفرنسية العام الماضي. وتعطي الفرنسية أنا غدونيك مثالاً أشد نفوراً. لقد أُخضعت هي لتجارب قاسية بعد أن فازت أختها التوأم في إحدى مباريات الجري للمسافات الطويلة. واستطاعت هذه الفرنسية التي لا تتجاوز 14 عاماً أن تسجل ضعفي رقم التحمل لأي رياضي في التاريخ. وأُرغمت لاحقاً على المشاركة في مسابقة للركض شارك فيها رياضيات يفقنها سنا”. ليس لأية غاية سوى اختبار القدرة القصوى لجيناتها، وليست هذه الصورة سوى مجرد بداية.

اللغة البذيئة و العنف
لعل شيئاً لا يثير الأسى عن الرياضة المدرسية أكثر من إجماع الدراسات على أنها مدخل لتَعَلُّم لغة ذكورية بذيئة وتَعَلُّم الاستفزاز والعنف. والحال أن علم النفس ينظر إلى هذه الأمور باعتبارها أشكالاً من العنف، أي من العنف اللفظي بالشتائم والاستفزاز الكلامي، وصولاً إلى الأذى الجسدي المباشر. وفي دراسة واسعة أجراها إدغار شيلدز، الاختصاصي في علم النفس الاجتماعي من جامعة نورث كارولينا، ونشرت في العام 1999م، تبَيَّن أن المدربين الذين يتولون شؤون الناشئة في الرياضة المدرسية هم المصدر الأساس لتعويد الطلبة على استخدام الألفاظ البذيئة. ويحرض هؤلاء المدربون صغار اللاعبين على استخدام الاستفزاز الكلامي، بما في ذلك الشتائم، كطريقة للتأثير على أعصاب الخصم، وزيادة فرص الفوز. بالإضافة إلى ذلك، فإن العنف الجسدي المباشر هو من الأساليب المتبعة في الملاعب تجاه الخصم. وتوجيه العنف إلى لاعب أو أكثر أثناء اللعب هو من الأساليب الشائعة أيضاً التي “يُدرّسها” المدربون للشباب. وغاية القول هي أن “التنافس” كوسيلة لتعليم المراهق أصول حل الصراعات الفردية في المجتمع، وكذلك لإظهار الذات وتوكيدها، هي بعيدة عن الأجواء المحمومة بالتنافس الحاد الذي يتصاعد تدريجياً في أوساط ممارسي الرياضة المدرسية. ولكن إلى أي مدى يمكن القول إن هذه الرياضة باتت من مسببات ظواهر العنف في أجيال المراهقين، مثل ظهور “الشّلل” العنيفة في أوساط المدارس والثانويات؟

تنصح دراسة لشيلدز أن يتدخل الأهل بكثافة في الرياضة المدرسية من أجل رسم خطوط الفصل بين “اللعب النظيف” والعنف، وكذلك لتقليص ظواهر استخدام اللغة البذيئة وتدريب الناشئة على الاستفزاز بأنواعه كافة. هنا سيف يسهل أن يرتد على الأهل أنفسهم، وربما على المجتمع الأوسع، إضافة إلى أثره المدمر في المراهق نفسه. إن أولادهم على المحك، والتغاضي عن الوقائع لا يجدي نفعا”.

2
في الشرق: عَدْوٌ إلى الوراء!

عالم عربي فقير في الرياضة المدرسية التي يفترض أنها تربي أجساد شباب الغد، كأنه خارج ما يعيشه العالم من اهتمام متصاعد في هذا النوع من الرياضة. تعيش مدارس العرب حالة مأساوية تغيب فيها الملاعب والأدوات والخطط والتوجيه. الأسوأ أنها حالة متراجعة، أي أن أزمنة غير بعيدة كانت أفضل بكثير من الوضع الراهن. وبدل السير قدماً، تكلست الأمور أو سارت إلى الوراء، وفي أحسن الأحوال ساد التخبط.

ما سبق هو وصف جاء على لسان أكثر من خبير متابع لحال الرياضة المدرسية عربياً.

وفي البداية، ثمة مسألة لابد من استعادتها: الرياضة المدرسية هي، في المفهوم العصري للمدرسة، الأساس الذي ترتكز إليه الرياضة كلها. يفترض أنها القاعدة التي تمد الألعاب باللاعبين بشكل مبكر بحيث يمكن للجهد التدريبي أن يحولهم إلى أبطال. تمثل المدارس الأمكنة التي تكتشف فيها المواهب المبكرة، وباحة المدرسة هي الساحة التي يلاقي فيها الجسد الغض الرياضة وقواعدها وتكتيكاتها وأساليبها وإنجازاتها… إلخ. الحال الراهن بعيد عن هذه الصورة.

في أغلب البلدان العربية، تعاني المدارس الرسمية من الاكتظاظ الذي أكل وقت الرياضة. ويطبق الكثير منها نظاماً دورياً في حضور التلاميذ وهو ما جعل الوقت المخصص للرياضة… صفراً. ومع هذا التراجع، غطى الغبار الأدوات في المخازن، إذا كانت موجودة أصلاً. ولجأ الكثير من المدارس إلى تحويل الباحات صفوفاً إضافية. اختفى زمن الرياضة وجغرافيتها. وانعكس الأمر على الرياضة العربية كلها. يعرف الخبراء أن الإنجازات الرياضية مرتبطة بوجود قاعدة لاعبين.

في خمسينيات وستينيات القرن العشرين، كانت الرياضة المدرسية في صعود، وترافق ذلك مع أداء عال للرياضة، مع نجاحات دولية معقولة على الرغم من محدوديتها. وسواء في دول الخليج أو في مصر أو سوريا أو لبنان أوغيرها، فإن تلك الحقبة عرفت نهوضاً في دورات المدارس إقليمياً وعربياً. كان ذلك زمن “الهواية”، إذا جاز التعبير. وكانت أخلاق الملاعب معقولة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى أخلاقيات الألعاب على مستوى الناشئة.

ولعل الدورة العربية المدرسية التي أقيمت في المدينة الرياضية في بيروت عام 1973م، كانت الذروة والختام. ولم تستطع أية دورة عربية أن تعيد وهج تلك الدورة التي شهد افتتاحها 310 آلاف شخص، وشملت مسابقاتها الألعاب كلها. ولكنه حال لم يدم. ومنذ مطالع السبعينيات، انهار نظام الرياضة المدرسية، خصوصاً في المدارس الرسمية. وتابعت مدارس القطاع الخاص، في أغلب الأحيان، اهتمامها بالرياضة، لكنه اهتمام يغلب عليه طابع التوظيف المالي. وما يعيبه عملياً هو موسميته وغياب التنسيق بين كل مدرسة وأخرى، وعدم الاستمرارية، وغياب الخطة المتكاملة التي تستمر سنة تلو الأخرى. وبالطبع، فإن الاستمرارية هي من شأن جهات غير المدرسة بحد ذاتها، كما هو الحال في معظم البلدان المتقدمة. ففي فرنسا ثمة مركز للتأهيل والأبحاث الرياضية يعمل على مستوى كل محافظة، ثم على مستوى البلد كله.

ويمكن اعتبار عقود السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات أزمنة التخبط والتكلس للرياضة المدرسية العربية. فعلى سبيل المثال، أنشأت مصر مدرسة الموهوبين الرياضيين في أواسط السبعينيات، لكنها لم تدم سوى أربع سنوات. ولم تستطع الدول العربية دعم مفهوم الأكاديمية الرياضية سوى لفترة وجيزة. وتعاظم تدخل العنصر السياسي، الذي تكفل “بإفساد كل شيء” بحسب قول مأثور عند العرب. وتأسس “الاتحاد العربي للرياضات المدرسية العربية”، التابع لجامعة الدول العربية، والذي يتألف من وزراء الشباب والرياضة. ولم يستطع هذا الاتحاد تفعيل الرياضة المدرسية لتخدم الرياضة في المعنى المشار إليه آنفاً.

تبقى الإشارة إلى أن بعض الوجه المظلم للرياضة المدرسية في الغرب المشار إليه في المقال، بدأ في العقد الأخير يتسرب إلى الشبيبة العرب عن طريق بعض الأندية وليس المدارس.

فإلى جانب المسائل النفسية غير السليمة المرافقة لتعاطي غير سليم مع الرياضة، نرى أن الهوس بالتفوق (ولو الشكلي فقط كما هو الحال في بناء الأجسام) يدفع بالآلاف من الشبان العرب إلى التعاطي غير المسؤول لأنواع من البروتينات والستيرويدات، تارة من دون أية مراقبة، وتارة تحت مراقبة المدرب الذي لا همّ له إلا بناء أجسام وعضلات لا يمكن لأصحابها توظيفها في الحصول على منحة جامعية، أو الانتقال بها إلى الاحتراف .. فتضعف وتتلاشى بمرور السنوات تاركة جسداً أتعبه العبث به.

————-

كادر

متى يصبح الطفل مهيئاً للرياضة؟

التهيؤ هو المرحلة التي ينضج فيها الطفل بحيث يغدو من الضروري والممكن أن يَدرس ويفهم وينفذ دوراً معيناً. وفي سياق الرياضة، فإنها المرحلة التي يمتلك فيها الطفل القدرات الجسدية والعصبية والإدراكية والنفسية والاجتماعية اللازمة. ثمة تفاوت في النمو الطبيعي بين الأطفال يجعل الحديث عن سن محددة بدقة عالية صعباً. وفي المقابل، يجب ملاحظة مدى استعداد الأهل أيضاً ومدى التقبل الاجتماعي. وبينما يميل بعض الاختصاصيين إلى القول إن هناك سنوات معينة يجب أن تمارس فيها تمرينات محددة، فإن البعض الآخر لا يرى الأمور بهذه الحدة. ولا تدعم الدلائل العلمية الرأي القائل بأن المهارات الرياضية يجب اكتسابها قبل الوصول إلى سن البلوغ. وإذا أردنا وضع مصلحة الطفل وتطوره فوق كل اعتبار، فإن الدلائل تتوافر عن ضرورة تنويع النشاطات الرياضية للطفل، خصوصاً في السنين المبكرة من عمره. ومن الخطأ إرغام الطفل على التركيز على نوع محدد من النشاطات أو المهارات، تحت وهم أنه سيتقنها أكثر.
ويميل العلماء إلى تحديد سن السادسة، وليس قبل ذلك، كمعدل عام للبدء في النشاط الرياضي الفعلي. ثمة تفاوتات هينة، لكن عمر الست سنوات يبدو مناسباً. أما النشاط المتخصص في الرياضة فيجب تأخيره إلى سن ثماني أو تسع سنوات، فالحال أن الرياضة تقتضي درجة معينة من نضوج الدماغ والقدرات العقلية والإدراكية والنفسية، وليس مجرد تكرار حركات محددة بعينها.
ومن الأهمية بمكان إعطاء انتباه خاص لمعطى التنافس. ويحتاج هذا الأمر إلى تفاعل نفسي وتماسك لا يتوافر قبل سن الثانية عشرة. هنا نجد أنفسنا أمام سؤال صعب، لكنه غالباً ما يتردد على ألسنة الأهل. هل طفلي مهيأ لرياضة معينة؟ أُجريت بحوث كثيرة في هذا المجال، لكن لم تتوافر دلائل كافية للقول بأن هناك من يولد مؤهلاً لنمط معين من الرياضة. ماذا عن العنصر الجيني؟ يتحدث العلماء عن عناصر وراثية (جينات) تؤهل الجسد لتحمل الأداء الرياضي العالي. وعلى الرغم من كل الحديث عن تفوق عدائي بعض قبائل إفريقيا في مسابقات الجري، إلا أنه من الصعب القول أنهم مهيأون للجري! يمكن القول أن عضلاتهم لا تتعب بسرعة، وبعضها لديه القدرة على إعطاء اندفاع قوي. وهناك عدد كبير من الرياضات تستفيد من هذه الأمور، والأرجح أن الوقت مازال مبكراً للحديث عن وجود تأهيل وراثي لرياضة محددة بعينها.

أضف تعليق

التعليقات