تقرير القافلة

الطاقة النووية:
من «حلم في ضوء القمر» إلى كارثة فوكوشيما

taqreer-1باسم الدفاع عن البيئة وتلبية طلب البشرية لمزيد من الطاقة لمجتمعاتها العصرية وتقدمها الاقتصادي، رُفعت قبل نحو قرن بيارق الانتصار على الذرّة والدعوة إلى اعتماد الطاقة النووية.
وباسم الدفاع عن البيئة والبحث عن مصادر مستدامة من الطاقة تحفظ البشرية من مخاطر المواد المشعة، تُرفَع اليوم في العالم، المتقدم قبل النامي، أعلام الحذر، بل التحذير حيال الطاقة النووية.

فما بين أوائل القرن الميلادي العشرين، زمن اكتشاف القدرة على فلق الذرّة، وأوائل القرن الواحد والعشرين، اكتشفت البشرية أن للطاقة النووية مخاطرها غير القابلة للمعالجة، وهي مخاطر لا تنتج من انصهار المفاعلات النووية وانهيارها وحسب، بل من عدم القدرة على معالجة وطمر النفايات النووية الناتجة من المفاعلات السليمة أيضاً.
هيروشيما، ناغازاكي، ثري مايل آيلاند، تشرنوبيل، فوكوشيما، أسماء باتت تبث الرعب في قلوب مليارات البشر، بل تردع دولاً متطورة، مثل ألمانيا واليابان، عن متابعة تشغيل كل ما لديها من مفاعلات، ولو أدى ذلك إلى انكفاء اقتصادي، ليس هذا وقته المناسب قطعاً.
كيف سار مسار البشرية مع فلق الذرّة، وأين وصل هذا المسار، في البحث الدائم عن الطاقة ومصادرها؟

قصة المفاعلات
taqreer-2في أوائل القرن الميلادي العشرين، اكتشف العلماء العاملون في الفيزياء، أن المواد المشعّة، مثل الراديوم، تبث مقداراً هائلاً من الطاقة، طبقاً لمبدأ معادلة الكتلة- الطاقة. لكن الشك كان يراود هؤلاء العلماء، بإمكان استغلال هذا المبدأ، من أجل إنتاج الطاقة فعلاً، حتى قال الفيزيائي إرنست راذرفورد ذات يوم، إن إنتاج الطاقة الذريّة «حلم في ضوء القمر».

لكن جيمس تشادويك اكتشف سنة 1932 النيوترون، ثم تمكن فريديريك وإيرين جوليو- ماري سنة 1934 من استحثاث الإشعاع النووي، بقصف المادة بالنيوترونات، وبإنتاج راديوم صناعي، أرخص كثيراً من الراديوم الطبيعي. وفي سنة 1938 تمكن العلماء الألمان والنمساويون أوتو هان وفريتس ستراسمان وليزه مايتنر وأوتو روبرت فريش، من قصف أورانيوم بنيوترونات، فأدى هذا إلى أول عملية فلق صناعي للذرّة. وفي السنة التالية، أخذ العلماء في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والاتحاد السوفياتي، يطالبون حكوماتهم بموازنات لاستكمال أبحاثهم لفلق الذرَّة.

وفي الولايات المتحدة، تمكَّن إنريكو فيرمي وليو زيلارد، وهما مهاجران أوروبيان، من صنع أول مفاعل ذرِّي، سمياه: «تشيكاغو بايل – 1» في 2 ديسمبر 1942، ضمن مشروع «مانهاتن»، الذي أدى في النهاية إلى صنع قنبلتي هيروشيما وناغازاكي، سنة 1945.

يومئذٍ كتب الكاتب العلمي دافيد ديتس: بدل أن تملأ خزان وقود سيارتك مرتين أو ثلاثاً في الأسبوع بالوقود، ستعمل سيارتك سنة كاملة، بواسطة حبة وقود نووي، بحجم حبة الفيتامين. أما غلين سيبورغ الذي رأس لجنة الطاقة النووية، فقال: ستكون هناك رحلات إلى القمر في الاتجاهين بالطاقة النووية.

وفي سنة 1951 تمكنت المملكة المتحدة وكندا والاتحاد السوفياتي من توليد كهرباء بالطاقة النووية، ثم ابتنى السوفيات سنة 1954 أول محطة لتوليد الطاقة للعموم، بالوسائل النووية. وفي الولايات المتحدة، تحدث لويس ستراوس، رئيس لجنة الطاقة النووية آنذاك، عن أن الكهرباء بالطاقة النووية ستصبح أرخص من أن يُدفع لها ثمن. وفي السنة نفسها، أنزل الأمريكيون إلى البحر أول غواصة تعمل بمحرك ذرّي، هي «نوتيلوس». وفي 1956، نشأت أول محطة توليد طاقة نووية تجارية في بريطانيا، هي محطة كالدر هول.

وفي سنة 1957 وُلدت مؤسستان ذريتان، الأولى هي «يوراتوم» الأوروبية، التابعة اليوم للاتحاد الأوروبي، ثم وكالة الطاقة الذرّية الدولية التابعة للأمم المتحدة.

وسرعان ما أخذت تتوالى الكوارث النووية، واحدة بعد الأخرى. إذ فقد الأمريكيون غواصتين نوويتين، هما «سكوربيون» و«ثريشر»، وفي سنة 1961 وقعت حادثة للغواصة النووية السوفياتية «ك- 19»، ثم لغواصة أخرى هي «ك- 27». لكن أمكن إنقاذهما على الرغم من موت 17 بحاراً في الحادثتين وتلوّث عدد آخر بالإشعاع.

انتشار المفاعلات في العالم
taqreer-3ومع انتشار تكنولوجيا الذرّة وعلومها في مختلف بلدان العالم، ولا سيما في أثناء الحرب العالمية الثانية وعلى إثرها، وبعد إنشاء الوكالة الدولية للطاقة الذريّة في 29 يوليو 1957، بدأت البلاد تتسابق في إنشاء المفاعلات النووية للأغراض السلمية، وهي إما لتوليد الطاقة الكهربائية، أو إنتاج نظائر مشعّة تُستَخدَم في الأغراض الطبية أو الصناعية، ناهيك بالمفاعلات الصغيرة المشيدة للأغراض العلمية، في بعض الجامعات والمعاهد العلمية المتخصصة، أو لتسيير السفن والغواصات النووية.

واليوم، يمتلك 31 بلداً مفاعلات نووية ويشغّلها. فللصين وحدها الآن 28 مفاعلاً جديداً قيد الإنشاء. وثمة عدد كبير من المفاعلات تُبنى الآن في كوريا الجنوبية والهند وروسيا. وفي هذه الأثناء، ثمة 100 مفاعل على الأقل، من المفاعلات القديمة أو الصغيرة، «سوف تُغلق على الأرجح في السنوات العشر أو الخمس عشرة المقبلة». لذا فإن عدد المشاريع النووية في آسيا مستقر إلى حدّ بعيد، بفضل وقف عمل المفاعلات المتقادمة، وتلك التي انقضى عمرها الافتراضي.

وفي سنة 2010، قبل حدوث كارثة فوكوشيما داييشي النووية في اليابان، كان التقدير أن نحو عشرة مفاعلات جديدة على وجه التقريب، ستدخل كل سنة في الخدمة، وفق تقارير الجمعية النووية العالمية (World Nuclear Association)، غير أن خمسة فقط من المفاعلات السبعة عشر للأغراض السلمية، التي كان مخططاً إنشاؤها بين 2007 و2009، أي قبل الكارثة، دخلت فعلاً في الخدمة العملية. ومنذ يونيو عام 2011، أي بعد الكارثة اليابانية المذكورة، أوقفت اليابان العمل في جميع مفاعلاتها النووية، وعددها 54 مفاعلاً، فيما قررت كل من ألمانيا وسويسرا الإقلاع عن إنتاج الطاقة بالمفاعلات النووية، وإحلال مشاريع أخرى محلها لإنتاج الطاقة، لا سيما بمصادر الطاقة الأحفورية، وبنسبة أقل مصادر الطاقة المتجددة (الشمسية والسدود والشلالات والريح والأمواج والمد البحري…).

وفي سنة 2012 كانت البلدان التي أعلنت معارضتها للطاقة النووية تزداد، ومنها أستراليا والنمسا والدنمارك واليونان وأيرلاندا وإيطاليا ولاتفيا وليختنشتاين ولوكسمبورغ ومالطا والبرتغال. وهكذا انخفض إنتاج الطاقة النووية من الكهرباء في تلك السنة، إلى أدنى مستوياته منذ سنة 1999.

أما البلدان الأشدّ اعتماداً على الكهرباء المولّدة بالطاقة النووية، بالنسبة لاستهلاكها الإجمالي، من ضمن الدول الثلاثين التي تنتج بالفعل طاقة كهربائية نووية، فهي فرنسا وبلجيكا والمجر وسلوفاكيا فقط، على الرغم من أن بعض الدول الأخرى تنتج كمية أكبر منها، بالأرقام المطلقة لا النسبية.

taqreer 3aوتشير أبحاث الجمعية النووية العالمية، وهي جمعية أهلية تهتم بشؤون الطاقة النووية، إلى أن أكثر من 45 بلداً باتت الآن تنظر «نظرة جدية» في اعتماد القدرة على إنتاج الطاقة النووية، منها إيران والإمارات العربية المتحدة وتركيا وفيتنام وبيلاروسيا والأردن على الخصوص. أما الصين وكوريا الجنوبية والهند، فتمضي في مشاريع توسيع طموحة لقدرات إنتاج الطاقة النووية لديها. فالصين تخطط لزيادة قدرتها الإنتاجية إلى 80 جيغاوات على الأقل حتى سنة 2020، وإلى 200 جيغاوات حتى سنة 2030، و400 جيغاوات، حتى سنة 2050. أما كوريا الجنوبية فتنوي زيادة قدرتها الإنتاجية النووية من 20,7 جيغاوات سنة 2012، إلى 27,3 جيغاوات سنة 2020، و43 جيغاوات سنة 2030. وتنوي الهند أن تكون لها سنة 2020 قدرة إنتاج 14,6 جيغاوات من الطاقة النووية، و63 جيغاوات سنة 2032، على أن تنتج في سنة 2050 ما نسبته %25 من كل حاجتها إلى الكهرباء، بالطاقة النووية.

كيف تعمل المفاعلات النووية
taqreer-4إن مصدر الطاقة النووية في الاستخدام العسكري، وفي الاستخدام السلمي، هو نفسه، وهو فلق الذرَّة، لإنتاج الطاقة الحرارية. والاستخدام السلمي في معظم حالات النشاط النووي، يرمي إلى توليد الطاقة الكهربائية، في مفاعل نووي. والفارق بين ما يحدث في القنبلة النووية وما يحدث في المولد الكهربائي النووي، هو فارق في حجم التفاعلات الفيزيائية والوقود النووي المتاح لها، وليس في طبيعتها، فهي من طبيعة واحدة في كلا الحالين. فاليورانيوم المستخدم في حالات الاستعمال السلمي لتوليد الطاقة أو للأغراض الطبية، تراوح نسبة تخصيبه بين 3,5 و20 في المئة، فيما يحتاج الاستخدام العسكري إلى يورانيوم مخصّب بنسبة تفوق 90 في المئة. والتخصيب هو مهمة آلات الطرد المركزي التي تعمل في تركيز وتكثيف نسبة اليورانيوم النقي في المعدن المخصّب. وإذاً فالمبدأ الذي يشرح كيف تنفجر القنبلة هو نفسه الذي يفسر عمل المفاعل السلمي المولّد للكهرباء في الحالين، لكنه ملجوم بوسائل تكنولوجية معقَّدة في المفاعل، حتى تظل التفاعلات الذرية تحت السيطرة، ولا تنتج سوى الطاقة الحرارية المطلوبة لتوليد الكهرباء.

والوسيلة الأساسية لإنتاج الطاقة الكهربائية عموماً، مبنية على فكرة أن أي قضيب عازل للحرارة والكهرباء، إذا لففنا حوله سلكاً معدنياً موصلاً للكهرباء، وجعلناه يدور في حقل مغناطيسي، فإنه يولد الكهرباء التي تمر عبر السلك، إلى حيث نريد. واللفافة التي تدور في الحقل المغناطيسي، تسمى: التوربينة. الفارق بين المولدات العاملة بالوقود النفطي أو بالوقود النووي، هو مصدر الطاقة التي تجعل التوربينات تدور في الحقل المغناطيسي لتوليد الكهرباء. إذ يمكن استخدام النفط، أو الفحم أو الغاز، في تحويل الماء إلى بخار، يدفع هذه التوربينات إلى الدوران. وأي طاقة حرارية تحوّل الماء إلى بخار، يمكنها إذاً أن تؤدي العمل نفسه، وهذا ما تفعله الطاقة النووية.

taqreer-5aلكنها طاقة هائلة، تُغني بقليل من الوقود النووي عن كثير من الوقود التقليدي. أما مصدر هذه الطاقة الهائلة، فتفسّره معادلة ألبرت أينشتاين، وهي معروفة لدى علماء الفيزياء: E=mc2، أي إن الطاقة تساوي الكتلة مضروبة بمربّع سرعة الضوء. فإذا علمنا أن سرعة الضوء هائلة، إذ تساوي 300,000 كيلومتر في الثانية، فإننا نستطيع أن نتصور، ولو جزئياً، ضخامة الطاقة التي يمكن أن تولدها كتلة مهما كانت صغيرة من الوقود النووي.

إن كل ذرة يورانيوم 235، تنشطر بالانفلاق النووي، تنتج 200 مليون إلكترون فولت من الطاقة الحرارية التي تتحرر من الكتلة.

ويظن عموم الناس أن اليورانيوم معدن نادر في الطبيعة، وهو ليس كذلك. فهو منتشر في الصخور بمثل انتشار القصدير أو الجرمانيوم. والفضة أندر منه بأربعين مرة، إذ إننا نجد اليورانيوم في كل أنواع الصخور تقريباً، بل إنه موجود في المحيطات. لكن ما يجعله «نادراً» على نحو ما، هو أن استخلاصه من الصخور العادية مكلف جداً، ولا يصبح تعدينه مجدياً اقتصادياً، إلا في المناجم التي توجد فيها صخور كثيفة التركيز باليورانيوم. ويتراوح سعر كيلوغرام اليورانيوم، حسب طريقة استخلاصه من الصخور، بين 60 و130 دولاراً للكيلوغرام. أما الاحتياط العالمي المكتشَف منه فهو حسب تقديرات منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OECD، يكفي المفاعلات العاملة اليوم في العالم، نحو 670 سنة. وحتى لو كانت مصادر اليورانيوم محدودة نسبياً، فإن في إمكان التكنولوجيا المتطورة، أن تعيد استخدام اليورانيوم المدوّر أو المنضّب، من النفايات النووية.

ترتيب البلدان المنتجة للكهرباء بالطاقة النووية

الترتيب البلد القدرة الإنتاجية (ميغاوات – 2014) النسبة من إنتاج الكهرباء العام
1 الولايات المتحدة 99,081 %19,4
2 فرنسا 63,130 %73,3
3 اليابان 42,388 %1,7
4 روسيا 23,643 %17,5
5 كوريا الجنوبية 20,721 %27,6
6 الصين 17,978 %2,1
7 كندا 13,538 %16,0
8 أوكرانيا 13,107 %43,6
9 ألمانيا 12,068 %15,4
10 السويد 9,474 %42,7
11 المملكة المتحدة 9,243 %18,3
12 إسبانيا 7,121 %19,7
13 بلجيكا 5,927 %52,1
14 الهند 5,308 %3,5
15 تايوان 5,032 %19,1
16 تشيكيا 3,884 %35,9
17 سويسرا 3,308 %36,4
18 فنلندا 2,752 %33,3
19 بلغاريا 1,906 %30,7
20 المجر 1,889 %50,7
21 البرازيل 1,884 %2,8
22 جنوب إفريقيا 1,860 %5,7
23 سلوفاكيا 1,815 %51,7
24 الأرجنتين 1,627 %4,4
25 المكسيك 1,570 %4,6
26 رومانيا 1,300 %19,8
27 إيران 915 %1,5
28 باكستان 690 %4,4
29 سلوفينيا 688 %33,6
30 هولندا 482 %2,8
31 أرمينيا 375 %29,2
مجموع العالم 374,704

تتضح من الترتيب العالمي السابق، القدرة الإنتاجية لكل دولة نووية، سنة 2014، ونسبة اعتمادها على الطاقة النووية في توليد الكهرباء التي تحتاج إليها.

taqreer-5وتحتل الولايات المتحدة المرتبة الأولى في مقدار الإنتاج العام بالطاقة النووية. لكن هذا المقدار من الطاقة لا يتجاوز خُمس ما تستهلكه الولايات المتحدة من الكهرباء. ولذا فهي تعتمد على مصادر أخرى لإنتاج الطاقة منها المولدات الحرارية بالوقود الأحفوري، الفحم أو النفط، وكذلك الطاقة المتجددة، السدود والطاقة الشمسية والريح وموجات المد والجزر البحرية، وما إليها.

أما فرنسا فهي الأولى من حيث نسبة اعتمادها في توليد الكهرباء على الطاقة النووية، إذ يبلغ إنتاجها منها نحو ثلاثة أرباع حاجتها إلى الكهرباء. وهذه نسبة كبيرة سعت فرنسا في امتلاكها، لا سيما في عهود الرؤساء الديغوليين، الذين اعتمدوا استراتيجية الاستغناء، عسكرياً أيضاً، عن المظلة الأمريكية، وكانت سياسة استقلال الطاقة النووية جزءاً من هذه الاستراتيجية.

لكن لا بد، في قراءة هذا الترتيب، من ملاحظة أن عدداً من البلدان الصغيرة (الصغيرة نسبياً بعدد سكانها، وكذلك بإنتاجها الطاقة النووية) تحقق بالمصادر النووية للطاقة نسبة جيدة من حاجتها. فبلجيكا وسلوفاكيا والمجر تحصل على أكثر من نصف حاجتها إلى الكهرباء، من مصادر توليد الطاقة النووية. وتحصل أوكرانيا والسويد على أكثر من 40 في المئة من كهربائها، من الطاقة النووية، فيما تصل النسبة إلى نحو 30 في المئة أو تزيد، في تشيكيا وسويسرا وفنلندا وبلغاريا وسلوفينيا وأرمينيا. وقد يشجّع هذا الدول الصغرى، على اعتماد الطاقة النووية، التي يكفيها منها القليل من المفاعلات لسد حاجتها، أو كثير من هذه الحاجة.

الكوارث النووية
taqreer-6تعرّف الوكالة الدولية للطاقة الذريّة، الحادثة النووية، بأنها «حادثة تؤدي إلى نتائج خطيرة للناس والبيئة أو المنشأة». أما هذه النتائج الخطيرة فهي موت أشخاص، وانبعاث نشاط إشعاعي كبير في البيئة، أو انصهار قلب المفاعل. والمثال الأخطر لهذه الحوادث هو ذلك الذي يحدث عندما يتضرر قلب المفاعل فيصدر عنه كثير من الإشعاع الذرّي، فلا تعود تسمية ما يحدث بالحادثة، بل تصح بالأحرى تسمية الكارثة، مثلما حدث في كارثة تشيرنوبيل سنة 1986.

لقد ناقش العلماء خطر حدوث الكوارث النووية منذ أن أنشئ أول المفاعلات سنة 1954. وكانت السلامة أمراً مركزياً على الدوام، في هموم الناس حين يتعلّق الأمر ببناء مفاعل في جوار منازلهم وحقولهم وقراهم. وفي خضم هذا الصراع بين المتحمسين للطاقة النووية، أو المدافعين عن المصالح الاقتصادية المرتبطة بها، وبين جمعيات تهتم بأمن الناس وسلامة بيئتهم، اتُّخذت بعض الخطوات التقنية لتقليص مخاطر الكوارث والحوادث، واحتمال بث الإشعاعات بين الناس، لكن الأخطاء البشرية باقية سيفاً مسلطاً يخشاه الناس، ولا يبدو أن أنصار الطاقة النووية يكسبون ثقة الآخرين في هذا الشأن.

إحصائياً، وقعت 99 حادثة نووية، صُنِّف بعضها «كارثة». وقد حدثت %57 من هذه الحوادث (أي 56 من 99) في الولايات المتحدة الأمريكية، الدولة النووية الكبرى، عسكرياً وسلمياً.

أما الكوارث الكبرى، فهي «كارثة ثري مايل آيلاند» سنة 1979، في الولايات المتحدة، ثم «كارثة تشرنوبيل»، في أوكرانيا سنة 1986، وأخيراً كارثة «فوكوشيما داييشي» في اليابان، سنة 2011. ويضيف بعض المصنفين للكوارث النووية حوادث عدد من الغواصات النووية السوفياتية، هي حادثة مفاعل الغواصة ك – 19، سنة 1961، والغواصة ك – 27، سنة 1968، والغواصة ك – 431، سنة 1985.

Atomic_bombing_of_Japanومشكلة الحوادث النووية ليست تماماً في عدد القتلى الذين يسقطون من جراء هذه الحوادث فقط، إذ إن الإحصاءات، لا سيما التي يتسلّح بها أنصار الطاقة النووية، تثبت بالفعل أن عدد ضحايا الحوادث في صناعة الطاقة النووية أقل نسبياً من ضحايا حوادث مصادر إنتاج الطاقة التقليدية. وتشير الإحصاءات في الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً، إلى أن المواد المشعة الناجمة من صناعة الطاقة النووية، لا تزيد على 1 في المئة، من النفايات السامّة التي تنتجها الصناعات الأخرى.

إلا أن المشكلة في الطاقة النووية ليست في حوادثها وكوارثها فقط، بل في نفايات وقودها أيضا. فللوقود النووي، حسب المادة المستخدمة، ما يسمى: نصف العمر الإشعاعي، ذلك أن المادة المشعة تظل مشعة ألوف السنين على الأقل، وبعضها مئات ألوف السنين، بل ملايين السنين. وهذا يعني أن أي تلوث نووي يفسد منطقة زراعية أو مناطق مأهولة بالسكان، ويجعل هذه المناطق غير قابلة للزراعة أو السكن في المستقبل المنظور وغير المنظور، بسبب الإشعاعات التي تؤدي إلى أمراض السرطان وتشوهات خلقية وفساد في التربة الزراعية. وحتى عندما تسلم صناعة الطاقة النووية من الحوادث والكوارث، فإن مشكلة النفايات مشكلة معقدة، أدت إلى تنازع سياسي عند اختيار المناطق التي استُعملت لطمر هذه النفايات. وقد جاءت الكوارث لتعقّد الأمور وتعزز معسكر معارضة الطاقة النووية في العالم.

ففي أيرلاندا وبولندا، تمكن المعارضون للطاقة النووية من منع المضي في البرامج التي كان مخططاً لها هناك. وبعد كارثة تشرنوبيل في أوكرانيا، صوت النمساويون سنة 1978 والسويديون سنة 1980 ثم الإيطاليون سنة 1987، ضد الطاقة النووية، سواء إنشاؤها حيث لم تكن قائمة، أو تفكيكها، حيث أقيمت مفاعلاتها. وبعدما عادت إيطاليا سنة 2009 إلى اعتماد الطاقة النووية، عاد استفتاء شعبي، بعد كارثة فوكوشيما في اليابان، إلى رفض خطط الطاقة النووية بنسبة 94 في المئة.

هل نسير نحو عالم من دون مفاعلات نووية؟
في 22 يناير 2015، كتبت الناشطة ليندا بنتز غانتر، البريطانية المولد، الأمريكية الإقامة، العاملة في مجال مراقبة النشاط النووي في العالم، مقالة عنوانها: «النهضة» النووية انتهت.

تقول غانتر في مقالتها، إن النهضة النووية التي لم تكن موجودة في يوم من الأيام، قد انتهت الآن، وإن ما بقي منها لا يتعدّى بعض الدعاية غير المقنعة. حتى إعلام التيار الغالب (mainstream media) لم يعد يرى فيها سوى سراب.

تقول غانتر إن أقطاب الطاقة النووية يزعمون، في محاولة يائسة لتكذيب الوقائع، أن هذه الطاقة تعمل الآن لتجديد نفسها، بمفاعلات محسّنة، أو مفاعلات صغيرة متطوّرة، وأن الطاقة النووية «لم تمت»، بل حتى «أنها تتقدّم»، وأنها العلاج للاحتباس الحراري!

لكن الطاقة النووية ليست أي شيء من هذا، لقد انتهت، وحسب. لن تتقدّم ببطء، ولن تتطور بهدوء، ولن تستمر في امتصاص مزيد من الضرائب في جيوب الأمريكيين، كما تقول غانتر. بل يرى اتحاد المصارف السويسرية «يو بي إس»، المؤسسة المصرفية المحترمة دولياً، إن الطاقة النووية سترحل، وإن رحيلها عاجل وليس آجلاً. ويدعو الاتحاد زبائنه إلى المسارعة «للانضمام إلى الثورة المقبلة». فما هي هذه الثورة؟

تقول نشرة «رينيو إكونومي» الأسترالية إن «ثورة الطاقة المتجددة هي الآتية».

لقد مضى عصر التوليد المركزي للطاقة، الذي تمثله الطاقة النووية أبلغ تمثيل، «فهذه ستكون ديناصور نظام الطاقة في المستقبل. إن محطات التوليد كبيرة جداً وغير مرنة، ولن تكون مناسبة للمدى البعيد».

الثورة الخضراء التي يتوقعها اتحاد المصارف السويسرية، ستؤدي إلى نشوء استقلال حقيقي في الطاقة، إنها ثورة أقودها أنا وتقودها أنت. «ففي غضون السنوات حتى 2025، سيكون الجميع قادرين على إنتاج الطاقة وخزنها. وستكون طاقة خضراء، وزهيدة، أي إنها لن تكون أغلى، بل أرخص من شراء الطاقة من مصدر توليد مركزي. وستكون طاقة مجدية؛ لأنها ستُستهلَك في مكان إنتاجها، ولن يضيع شيء منها تقريباً في نقل الطاقة».

أما مدة استرداد تكلفة التجهيز فيها، فلن تزيد على ما بين 6 و8 سنوات. وهذا الأمر سيؤدي إلى حدوث ثورة حقيقية في صناعة الطاقة.

لقد جاء في التقرير العالمي لحال الصناعة النووية أن الطاقة المتجددة تنمو على نحو دراماتيكي. وعلى الرغم من أن نشرة أنباء العالم النووي تشير إلى أن عام 2015 بدأ وفيه 436 مفاعلاً نووياً، في مقابل 435 السنة الماضية، إلا أن هذا الرقم خدّاع، إذ إن من هذه المفاعلات 48 مفاعلاً أوقفت عن العمل في اليابان.

وتختم غانتر مقالتها بالقول إن إنتاج الطاقة يسير نحو اللامركزية، حيث لا مكان للطاقة النووية، وإن هذه الثورة بدأت فعلاً.

التجارب النووية
تجربة أول قنبلة نووية في التاريخ، أجرتها الولايات المتحدة الأمريكية في ترينيتي سايت، في 16 يوليو 1945، بقوة 20 كيلوطن. وبعد سبعة أسابيع، أُسقطت قنبلتان ذريتان في 6 و9 أغسطس 1945، على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين. أما تجربة أول قنبلة هيدروجينية، فأجرتها الولايات المتحدة أيضاً، في جزر مارشال، في 1 نوفمبر 1952.

taqreer-7والتجارب النووية على أنواع:

١ – فوق سطح الأرض: تُفجَّر القنبلة من على برج مرتفع، أو من على بالون في الجو، أو فوق جزيرة نائية في المحيط، أو بإسقاطها من طائرة.

٢ – تحت سطح الأرض: تُحفَر حفر متفاوتة الأعماق، وتفجّر في قاعها القنبلة، تجنباً للتلوث الإشعاعي. وقد أجرت القوتان العظميان في الحرب الباردة، الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، معظم تجاربهما النووية تحت سطح الأرض. لكنهما وقعتا سنة 1976 على معاهدة لتكون قوة التفجيرات تحت الأرض 150 كيلو طناً على الأكثر، بعدما تبيّن أن التفجيرات تؤدي إلى تشقق في التربة وتلويث لسطح الكرة الأرضية، وحدوث زلازل تضر بالمناطق المأهولة، من جراء هذه التجارب، عندما تفوق قوتها حداً معيناً.

٣ – في الفضاء: يُجرى تفجير القنبلة من على صاروخ يُطلَق نحو مدار فضائي حول الأرض. ويؤدي هذا التفجير إلى إحداث موجة مغناطيسية وإشعاعية في الفضاء القريب المحيط بالأرض.

٤ – تحت سطح البحر: تُدلّي السفينة القنبلة إلى الماء، حتى عمق معين، ثم تفجرها. وينتج من هذا بالطبع تدمير السفينة التي تكون قد أُخليت من الملاحين. ويُحدث هذا النوع من التفجير كثيراً من التلوث الشعاعي في المحيط.

يُذكر أن معظم دول العالم مرتبطة، منذ سنة 1963، بما يسمّى: «معاهدة الحظر الجزئي للتجارب النووية».

للمزيد:
http://www.world-nuclear.org/
موقع وورلد نيوكلير أسوسييشن WNA
http://www.worldnuclearreport.org/
https://www.bing.com/search?setmkt=en-XA&q=The+Nuclear+%E2%80%9CRenaissance%E2%80%9D+is+Over

وكذلك:
http://en.wikipedia.org/wiki/Nuclear_power_by_country
http://en.wikipedia.org/wiki/Nuclear_and_radiation_accidents_and_incidents

المصدر:
http://en.wikipedia.org/wiki/Nuclear_weapons_testing

أضف تعليق

التعليقات