علوم

الحذر
من البقر!

كيف تهدِّد صناعة الماشية العالم؟

تترتَّب على تربية المواشي، وخاصة الأبقار، آثار سلبية على الأراضي وخصوبتها، والمياه وديمومتها، وكمية انبعاثات غازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري، والأمر معروف منذ زمن بعيد. ولكن الأرقام التي تكشفت عنها الدراسات مؤخراً، تتخذ اليوم بعداً مقلقاً أكثر من أي وقت مضى بسبب تعاظم قضية الاحتباس الحراري الوثيقة الصلة بتربية الأبقار على مستوى العالم.

أدت الزيادة السكانية في العالم إلى تنمية الثروة الحيوانية اللازمة للتغذية بشكل غير مسبوق في التاريخ.  فبات رعي الماشية يحتل 26 بالمئة من سطح اليابسة، بينما يستهلك إنتاج محاصيل الأعلاف نحو ثلث مجموع الأراضي الصالحة للزراعة في العالم. وشكَّلت توسعة أراضي الرعي اللازمة للماشية واحداً من أكبر عوامل إزالة الغابات، كما هو الحال في غاباتِ نهر الأمازون، حيث تشكِّل المراعي نحو 70 بالمئة من المساحة التي اكتسحها الإنسان، كما أن نحو 70 بالمئة من مجمل أراضي الرعي في المناطق الجافة تُعد أراضي متدهورة نتيجةً لذلك. وتجمع الأبحاث على وجود علاقة وثيقة بين تربية الحيوانات والتغير المناخي، حيث إنِّ الزراعة بجميع عملياتها تسهم في ظاهرة الاحتباس الحراري بنحو الثلث، وهي نسبة شبه متفق عليها حتى في أدق الدراسات، لأنها تأخذ بعين الاعتبار التغيرات التي طرأت على استخدام الأراضي والآثار المناخية.

أهميتها الاقتصادية
على الرغم من آثارها البيئية الكثيرة والمتنوِّعة، لا تعدّ الثروة الحيوانية قوةً رئيسة في الاقتصاد العالمي، إذ إنها لا تشكِّل سوى 1.5 بالمئة تقريباً من الناتج الإجمالي العالمي. لكنها بالغة الأهمية من النواحي الاجتماعية والسياسية في البلدان النامية. فهي تؤمِّن الغذاء والدخل لنحو مليار شخص من الفقراء في العالم، حيث تمثل الثروة الحيوانية في أحيان كثيرة مصدر الرزق الوحيد.

تعدُّد مصادر ثاني أكسيد الكربون فيها
ولكن، بموازاة ذلك، يسهم قطاع الزراعة الحيوانية بحوالي 9 بالمئة من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الذي ينتج عن صناعة الأسمدة لمحاصيل الأعلاف والطاقة المستخدمة في المزارع ونقل الأعلاف وتجهيز المنتجات الحيوانية وتغييرات استخدام الأراضي.  إذ ينبعث من حرق الوقود الأحفوري لإنتاج الأسمدة للمحاصيل العلفية 41 مليون طن متري من ثاني أكسيد الكربون سنوياً. كما ينبعث 90 مليون طن متري إضافي من ثاني أكسيد الكربون سنوياً من حرق الوقود الأحفوري في أنظمة التدفئة والتبريد والتهوية في مزارع الاحتجاز المكثف، ناهيك عن الوقود اللازم لإنتاج البذور ومبيدات الأعشاب والآفات، وتشغيل الآلات الزراعية. ووفق منظمة الأغذية والزراعة العالمية، فإن عشرات الملايين من الأطنان المنبعثة سنوياً من ثاني أكسيد الكربون هي ناتجة عن أنشطة الثروة الحيوانية، وتختلف كمية الطاقة المستخدمة تبعاً لنوع المنتج الحيواني، فمعالجة 1 كلج من لحم البقر يتطلَّب 4.37 ميجا جول أو 1.21 كيلو واط ساعة، وتجهيز دزينة من البيض يتطلَّب 6 ميجاجول أو 1.66 كيلو واط ساعة. ولكن 1 كلج من لحم البقر ينتج غازات دفيئة تعادل 36.4 كلج من ثاني أكسيد الكربون. ويتسبَّب التوسع في قطاع الثروة الحيوانية في إزالة الغابات وتدهور الأراضي والتصحر، ما يزيد بدوره من انبعاثات غازات الدفيئة بكمية تقدّر بنحو 2.4 مليار طن متري من ثاني أكسيد الكربون سنوياً. وتُعد الزراعة الحيوانية حافزاً مهماً لتحويل المناطق المشجرة (الغابات) إلى أراضٍ للرعي أو أراضٍ لإنتاج الأعلاف. بالإضافة إلى أن زيادة أعداد الحيوانات الزراعية تهدِّد نظماً إيكولوجية مهمة، مثل منطقة السافانا البرازيلية الأكثر تنوعاً بيولوجياً في العالم، حيث أدت زيادة إنتاج فول الصويا لإطعام نحو 40 مليون رأس من الماشية سنوياً، إلى التنافس على الأراضي على حساب التنوع الطبيعي. وإضافة إلى ما تقدَّم، فإن إنتاج الحيوانات الزراعية يؤدي إلى إطلاق حوالي 28 مليون طن متري من ثاني أكسيد الكربون سنوياً من التربة المزروعة. فالتربة مثل الغابات، تعمل كمصائد للكربون وتخزن أكثر من ضعف الكربون الموجود في الغطاء النباتي أو في الغلاف الجوي. ولذا، فإن الزراعة الحيوانية مسؤولة عن تصحر المراعي، الأمر الذي يتسبَّب بانبعاث 100 مليون طن متري من ثاني أكسيد الكربون سنوياً.

تغذية الماشية وتكلفتها المرتفعة
ويتطلَّب إطعام الأعداد المتزايدة من الثروة الحيوانية في العالم ما لا يقل عن 80 في المئة من محصول فول الصويا وأكثر من نصف محصول الذرة في العالم. وهذه المزروعات تستهلك كميات كبيرة من الأسمدة النيتروجينية المصنّعة، تؤدي إلى تغيرات كبيرة في دورة النيتروجين الطبيعية من حيث الحجم، وأعمق من التغيرات في دورة الكربون.  ولأن نسبة متزايدة من سكان العالم تستهلك البروتين الزائد ذا السعرات الحرارية العالية. فإن إنتاج هذه البروتينات الغذائية الحيوانية يؤدي إلى زيادة الحاجة للأسمدة النيتروجينية، وبالتالي زيادة اضطراب دورة النيتروجين. وتتم تغذية الماشية في حقول التسمين أو في عمليات الألبان المكثفة بنظام غذائي غير طبيعي من الأعلاف المركزة عالية البروتين من الذرة وفول الصويا. صحيح أن الماشية قد تكتسب بذلك زيادة في الوزن بسرعة، إلا أن الأمر يمكن أن يتسبب بمجموعة من الأمراض، ويؤدي حكماً إلى زيادة انبعاثات الميثان. ولهذا فإن النظام الغذائي القياسي للأبقار المحصورة للتسمين يتصف بقدرة عالية على إنتاج الميثان. في حين أن الماشية التي تُربّى على المراعي الطبيعية وتتناول غذاءً ذا طاقة منخفضة مكونة من الأعشاب والأعلاف، تنتج حوالي نصف كميات الميثان. إن غالبية المحاصيل التي تزرع في العالم الصناعي هي اليوم مشبعة بالنيتروجين. والإفراط في استخدام النيتروجين في إنتاج المحاصيل، وجريان النيتروجين في المجاري المائية، والملايين من الأطنان من النيتروجين الموجود في روث حيوانات المزارع يهدِّد السلامة البيئية والصحة العامة.

ويتحمَّل قطاع الزراعة الحيوانية مسؤولية ما يتراوح بين 35 و 40 بالمئة من انبعاثات غاز الميثان، أي حوالي 86 مليون طن متري، وهذه الكمية ناجمة عن التخمر المعوي في الحيوانات المجترة ومن روث الحيوانات. وتتأثر انبعاثات الميثان بعدة عوامل، كعمر الحيوان ووزنه وجودة العلف وكفاءة الجهاز الهضمي. وينبعث من الحيوانات المجترة غاز الميثان كجزء من عملية الهضم، التي هي عملية تخمير ميكروبي معوي ينتج عنه الميثان.

دور نوعية العناية بالماشية
إن كمية غاز ثاني أكسيد الكربون المنبعثة من الماشية التي تُربى لإنتاج اللحم والألبان في بعض البلدان الفقيرة، تصل إلى 100 ضعف تلك الموجودة في الدول الغنية لكل كيلوغرام يتم إنتاجه من البروتين. كما أن الماشية في البلدان النامية تنتج 75 بالمئة من الانبعاثات العالمية التي تصدرها تلك الحيوانات بالتحديد. ويرجع السبب في ذلك إلى استهلاك الحيوانات لنوعية رديئة من الأعلاف وكميات أكبر، وسوء حالتها الصحية.  وبيّنت الدراسات أن الماشية التي ترعى في الأراضي القاحلة في إثيوبيا والصومال والسودان، يمكن أن تطلق ما يعادل 1,000 كلج من ثاني أكسيد الكربون لكل كيلوغرام من البروتين. بينما لا تتعدى كثافة الانبعاثات في أجزاء كثيرة من الولايات المتحدة وأوروبا 10 كيلوغرامات لكل كيلوغرام من البروتين.

وتنتج حيوانات المزرعة مليارات الأطنان من الروث (في الولايات المتحدة وحدها 500 مليون طن من النفايات الصلبة والسائلة سنوياً). ويتسبَّب تخزين هذه الكميات الهائلة والتخلص منها بإطلاق انبعاثات ضخمة من الميثان وأكسيد النيتروجين، فإسهام روث الحيوانات الزراعية يمثِّل 25 بالمئة من إجمالي انبعاثات الميثان و 6 بالمئة من إجمالي انبعاثات أكسيد النيتروجين في الولايات المتحدة. وبالمجمل، فإن 70 بالمئة من انبعاثات ثاني أكسيد النيتروجين البشرية المنشأ ناجمة عن زراعة المحاصيل والحيوانات.

البقر في ميزان الربح والخسارة
مقارنة بأنواع الماشية الأخرى، تستنزف تربية الأبقار وإنتاج لحومها وحليبها كثيراً من الموارد المائية، إذ يتطلَّب إنتاج لحوم الأبقار أراضي تفوق مساحتها أكثر من 28 مرَّة الأراضي التي تحتاجها الأنواع الأخرى من الماشية، وكميات من المياه تفوقها  بأكثر من 11 مرّة. وبشكل عام، فإن الثروة الحيوانية تستهلك 8 بالمئة من إجمالي الاستهلاك العالمي للمياه، ويستخدم الجزء الأكبر من هذه النسبة في ري محاصيل الأعلاف. وهي من أكبر مصادر تلوث المياه، بدءاً بمخلفاتها وصولاً إلى ما يستخدم فيها من أسمدة كيماوية ومبيدات ومضادات حيوية وهورمونات وكيماويــات دباغة الجلــود. وينتج هذا القطاع ثلثي الأمونيا الناشئـة، التي تسهم في الأمطـار الحمضية المدمِّرة للنظم الإيكولوجية.
إن البقر غير فعَّال في تحويل الحبوب إلى لحوم بسبب سوء هضمه لها. ولذلك فإن كل كيلوغرام واحد من اللحوم  يستلزم ما يعادل 24 كلج من الحبوب. ولأن الأبقار لا تتغذى على الحبوب بل على الأعشاب، فهي بهذا تسبِّب أثاراً سلبية أكبر على البيئة، لأن تحلل السيليلوز النباتي في معدة البقر ينتج كميات كبيرة من الميثان. والعلماء اليابانيون يلومون الأبقار لتسببها في الاحترار العالمي، إذ إن انبعاثات غاز الميثان من الأبقار المتجشئة يمثل 5 في المئة من جميع غازات الدفيئة العالمية. ويعمل العلماء في اليابان على تطوير المكملات الغذائية للحد من إنتاج الميثان في تجشؤ الأبقار.

يتحمَّل قطاع الزراعة الحيوانية مسؤولية ما يتراوح بين 35 و40 بالمئة من انبعاثات غاز الميثان، أي حوالي 86 مليون طن متري، وهذه الكمية ناجمة عن التخمر المعوي في الحيوانات المجترة ومن روث الحيوانات.

إن مواجهة هذه القضية ليست أمراً سهلاً بسبب الزيادة السكانية والطلب المتزايد على الغذاء. فاستهلاك اللحوم مسألة حساسة عند الكثيرين، ولا يمكن التخلي عنها بسهولة، رغم أن الباحثين لا يطلبون التوقف بالكامل عن استهلاك اللحوم ولكن تقليلها بشكل كبير للحدّ من البصمة الكربونية. فقد أفادت نتائج دراسة أجريت على 30 ألف شخص من آكلي اللحوم و16 ألفاً من النباتيين و8 آلاف من آكلي الأسماك، أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون كانت بالمتوسط 7.2 كلج و2.9 كلج و3.8 كلج بالترتيب. ولهذا فإن الشعار الذي يُرفع حالياً لتجنب الإفراط في أكل اللحوم حفاظاً على البيئة أصبح مألوفاً، وله داعمون كثر مقتنعون بأن اتباع نظام غذائي متوازن سيعود بالفائدة على صحة الإنسان والمناخ.

وللتخفيف من تأثير الثروة الحيوانية على البيئة وظاهرة الاحترار العالمي يوصي الخبراء بوقف تدهور الأراضي وإعادة إصلاحها، وإدارة نظم الرعي بصورة أفضل، وحماية المناطق الحساسة.
وفي ما يتعلّق بانبعاث غازات الدفيئة، يجب تقنين تربية الثروة الحيوانية، وإنتاج محاصيل الأعلاف بصورة مستدامة، ووقف إزالة الغابات وتدهور المراعي، وتحسين تغذية الحيوانات وإدارة روثها وإعادة استخدام الروث المعالَج كسماد.
وللحدّ من تلوث المياه، يُنصح بإدارة متكاملة لفضلات الحيوانات بشكل أفضل، وتقديم وجبات غذائية أفضل لتحسين عملية الهضم.
ولمعالجة فقدان التنوُّع الحيوي، يمكن تحسين حماية المناطق البرية، وإدماج منتجي الثروة الحيوانية في إدارة المشهد، وتعويض أصحاب الثروة الحيوانية الذين يلتزمون بالمواصفات البيئية وتغريم المخالفين. وخلاصة القول إنه بحلول عام 2050، سيتضاعف الإنتاج العالمي للحيوانات الزراعية بسبب الطلب المتزايد على الغذاء. ولذلك، يجب تحقيق ذلك بالتوازي مع تخفيضٍ جوهري في آثاره البيئية، من خلال استخدام الموارد بكفاءة أفضل مما هو
حاصل الآن.

المراجع:

• Koneswaran, G.  and Nierenberg, D. (2008): Global Farm Animal Production and Global Warming: Impacting and Mitigating Climate Change. Environ Health Perspect. 116 (5): 578–582.
• Steinfeld, H., Gerber, P., Wassenaar, T., Castel, V., Rosales, M. & de Haan, C. 2006. Livestock‘s long shadow – Environmental issues and options. FAO Agriculture Technical paper, Rome.
• Ramon MAsanell & Jordan Mitchell (2007): World Wildlife Fund for Nature (WWF)
• USEPA, 2003
• FAO Newsroom, 2006: Livestock a major threat to environment Remedies urgently needed

• معهد المراقبة العالمي   2009:  “الثروة الحيوانية والتغير المناخي”
• منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة FAO) 2006)
• منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة FAO) 2008)

 

 

أضف تعليق

التعليقات