رأي ثقافي

الجهود الفردية لمترجمين عرب

تواصل ثقافتنا العربية انتشارها في الغرب بجهود مترجمين عرب أخذوا على عاتقهم مهمة المشاركة في نقل أهم المؤلفات العربية إلى القارئ الغربي. وبالفعل، فإن هذه الخبرات المتخصصة أسهمت، وتسهم اليوم، إلى حدٍّ كبير في تعريف الغرب إلى تراثنا الثقافي والحضاري. ولها، إلى جانب حفنة من المستعربين الأمناء، الفضل في إثراء التبادل الثقافي والمعرفي.

فمن إسبانيا مثلاً، نذكر الأديب والكاتب والناشر والمترجم العراقي عبدالهادي سعدون، الذي ترجم أكثر من مئة نصٍّ عربي وإسباني في الاتجاهين لأسماء معروفة وأخرى شابَّة. والدكتور وليد صالح الخليفة العراقي الأصل، أستاذ الدراسات العربية والإسلامية في جامعة أوتونوما بمدريد، مؤلف «قرن ونصف من المسرح العربي»، الذي ترجم إلى الإسبانية بعض أعمال سعدالله ونّوس ومحمد الماغوط وأحد دواوين عبدالوهاب البياتي.

وأيضاً الأديب والشاعر يونس صديق توفيق، المقيم في إيطاليا، الذي ترجم بعض كتب الجاحظ والغزالي وابن عربي وجبران والشنفري ومجموعات قصصية وغير ذلك كثير. ومن إيطاليا أيضاً، نذكر الدكتور مالك الواسطي، الذي ألَّف كتابين بالإيطالية عن بدر شاكر السياب وعبدالوهاب البياتي. والباحث التونسي عز الدين عناية، الأستاذ في إحدى جامعات نابولي وجامعة روما، وقد ترجم نصوصاً شعرية للتونسي محمد الخالدي وبعض أعمال الشاعر اليمني عبدالعزيز المقالح، كما ترجم من الإيطالية إلى العربية نحو عشرين كتاباً، منها: «علم الأديان»، و«علم الاجتماع الديني»، و«الإسلام الإيطالي»، و«الإسلام في أوروبا»، وغيرها.

ومن الأسماء الأخرى الفاعلة في نقل الصورة الحقيقية عن تراثنا وثقافتنا، الدكتور حسن علي أحمد حارون، المدرِّس في جامعة الأزهر رئيس قسم اللغة اليونانية الحديثة بجامعة مصر الدولية للعلوم والتكنولوجيا، الذي ترجم كثيراً من العربية إلى اليونانية، بما في ذلك «موسوعة الحديث النبوي الشريف» التي تقع في أجزاء عديدة. وهناك أيضاً الدكتور حسن بدوي، المدرِّس في جامعات يونانية عديدة، الذي ألَّف عدة كتب أكاديمية الطابع حول التاريخ والحضارة العربية والإسلامية باللغة اليونانية، منها: «مدخل إلى التاريخ الإسلامي» في ثلاثة أجزاء.

غياب أي شكل من الدعم
ولكن أكثر ما يعبِّر عن المناخ الذي يعمل به المترجمون العرب، يطالعنا العمل الهائل الذي أنجزه الدكتور أمين عز الدين، والمتمثل في ترجمة أكثر من أربعين مؤلفاً علمياً وأدبياً باللغة اليونانية عن الإسلام والفلسفة الإسلامية والتاريخ الحضاري المصري، إضافة إلى ترجمة لبعض قصص يوسف إدريس ويحيىى حقي.. وقد قام الدكتور عز الدين بكل ذلك دون أن يتلقَّى أي دعم مالي من أي جهة علمية أو مؤسساتية.

ومثله أيضاً، المترجمة ليلى شماع، وهي من أب لبناني وأم ألمانية، اختارت أن تكون مترجمة الأدب العربي إلى الألمانية، وأنشأت لهذه الغاية وكالة «ألف»، لكنها تقوم بالترجمة بنفسها، دون أي دعم من أي مؤسسة عربية. وهي ماضية في مشروعها على الرغم من كل الصعوبات. ومن الأعمال التي ترجمتها: «مذكرات امرأة غير واقعية» لسحر خليفة، و«أنا أحيا» لليلى بعلبكي، و«مملكة الغرباء ومجمع الأسرار وباب الشمس» لإلياس خوري، وكتاب «ورشة الأمل» للشاعر البحريني قاسم حداد، ومختارات من أعمال غالب هلسا ومؤنس الرزاز وزهرة العمر من الأدب الأردني.

وهكذا نرى أن جهود المترجمين العرب الفردية في نقل آدابنا إلى الغرب لا تزال في معظمها شبه يتيمة. وأن هؤلاء المترجمين يتعاملون مع مهنتهم على أنها رسالة أو واجب. كما أنهم في حالات كثيرة عرضة لمتطلبات السوق وشروطه.

وإلى ذلك، فإن الطابع الفردي الذي يميِّز هذه الجهود لا يحميها من «الفوضى» أو «تبعثر الاختيارات». فإلى متى ستبقى الفوضى في حركة الترجمة؟ وإلى متى ستبقى هذه الجهود المخلصة والأمينة والصادقة فردية دون دعم مؤسساتي؟ وإلى متى سيبقى انتشار الأدب العربي في الغرب رهناً بقدرات فردية، وبعبارة أخرى «محدوداً»؟ أما آن الأوان لمؤسساتنا الثقافية أن تفتح نافذة لنقل الصورة الشاملة للثقافة العربية إلى الغرب وبشكل متكامل وصحيح.

يقول الكاتب محمد حسين: «إن القلة التي تؤمن بما تفعل هي التي تغيِّر التاريخ».

أضف تعليق

التعليقات