قول في مقال

ألديك مهارة حرفية؟

shutterstock_217496125تصدر في هذه الآونة في دول كثيرة دراسات متنوّعة ومهمة تتناول أهمية التعليم المهني في تحقيق التقدّم الاجتماعي والنموّ الاقتصادي، بعدما عانى هذا النوع من التعليم من مشكلتين، أولاهما النظرة الدونية، وثانيهما غياب محاولات التجديد في أساليب التعليم وبرامجه في المعاهد المهنية.

وشاركت في تكريس هذه «المؤامرة» سياسات تعليمية وتربوية سمحت بمعادلة شهادات التعليم العالي والتعليم الجامعي من دون التعليم المهني. فبدا التعليم الجامعي أهم من التعليم المهني، وشهادات المهنيات أقل قيمة من شهادات الجامعات، فابتعد الطلاب عن مثل هذه الاختصاصات أو أبعدوهم أهلهم عنها.. ما عدا ألمانيا، ولا غرابة في أن تكون ألمانيا هي الاستثناء الكبير على مستوى العالم.

المجتمع الألماني مثالاً
إن من يطّلع على بنية المجتمع الألماني الذي حافظ على هذه الدرجة المذهلة من التقدّم الصناعي أمام جميع الدول الأخرى، لا يسعه إلَّا أن يفهم دور التعليم والتدريب المهني في هذا البنيان الصناعي والاقتصادي المتراص الذي لا يكفّ عن النموّ. فلا قيامة لكيان صناعي مبهر من غير سيادة كمّ كبير من العمال المهرة الذين تدرّبوا على ما يؤهلهم ليس فقط للقيام بالمهام الصناعية الروتينية، بل أيضاً كي يسدوا الرأي الصائب للمصمم والمهندس والصناعي. والحقيقة أن الدراسات الجديدة تكشف أن نسبة كبيرة من الشباب في كثير من البلدان الأوروبية ممن يتلقون أو تلقّوا دراسات جامعية، يفضّلون الانضمام إلى معاهد مهنية.

تعرّض التعليم المهني لظلم كبير عبر التاريخ بسبب فكرة لا تخلو من السطحية تَعُد ما هو أكاديمي وذهني «أرقى» بالضرورة مما هو يدوي وعملي. وتكاد هذه الفكرة / الانطباع تصبح إحدى أقدم المغالطات في تاريخ التعليم، مع ما تسببه من ضرر في عالم المهن المتقدمة القائمة على التعليم.

مما لا شك فيه أنه لا يكتمل علم إلَّا بنوعي التعليم معاً، حيث لا تقلّ المعرفة الحسية لمكونات الوجود وكيفية التعامل معها يدوياً، عن المعرفة الذهنية. ويختلف الأفراد في تلقّيهم، فبعضهم يفهم الدنيا وشؤونها بشكل أفضل من خلال التفكير الذهني، والبعض الآخر يفهمها أكثر من خلال «العراك» مع أدواتها والاختبار اليدوي لمكوناتها. فالأول يبدأ من العقل ليصل إلى اليد في تحقيق عمله، والآخر يبدأ من اليد ليصل إلى العقل.

المهن في مجابهة الأزمة الاقتصادية
في أغلب الحالات، يحتاج أحدنا إلى الأخذ بنوعي التعليم معاً. ولا تنقص الثقافة الشخصية أو تزيد بالضرورة حسب المهنة أو التخصّص. فلا شيء يمنع معلّم البناء أو الطباعة أو الميكانيكي الماهر من أن يكون له من الثقافة وسع ما يرغب. فكم مرة سمعنا من عمّال مهرة وحرفيين ومهنيين أقوالاً ومأثورات تمثل فهماً حقيقياً للواقع ومعطياته، بينما شعرنا في حضرة أفراد يدعون الثقافة الواسعة، بأنهم لا يفقهون من الحياة وأسرارها شيئاً.

ربما تحرّر الشباب في هذه الأيام من الانطباعات القديمة. وهذا ما جعل هذه النسبة العالية منهم تتمنى لو تكمل الدراسة المهنية أو تنتسب إليها. فالمهنة الحرفية ذات ميزة تضمن عملاً بأجر جيد يسمح لصاحبها بعيش حرّ كريم، يبعد عنه شبح البطالة ويدفعه إلى التخفّف من الاتكال على أهله في مصاريف حياته.

ولا شك أن الشهادة المهنية أينما حصل عليها صاحبها أقدر على تأمين وظيفة مباشرة، وربما أكثر بكثير من شهادة نظرية. خصوصاً في ظلّ الأزمة الاقتصادية العالمية التي دفعت بعدد كبير من علماء الاقتصاد المرموقين إلى الدعوة للعودة نحو العمل باليد، أي الأجر مقابل الجهد الجسدي، بعدما سيطرت الوظائف النظرية على سوق الأعمال في العالم. والحقيقة أن توجّه كثير من البلدان إلى إعطاء التعليم المهني أهمية مضاعفة تقف وراءه رغبة بل حاجة ملحّة لمواجهة موجة البطالة المتزايدة لدى الشباب بالذات

أضف تعليق

التعليقات