علوم

بعد الفضاء البعيد.. الأبحاث تتجه نحو:

أعماق المحيط القريب

بعد عقود تركزت فيها أنظار أجيال من البشر على الفضاء الخارجي ومشاريع استكشافه، التفتت الأبصار باهتمام كبير في السنوات الأخيرة، لمعرفة مجهول آخر أقرب إلينا من حبل الوريد، هو أعماق البحار والمحيطات، التي نكاد لا نعرف عنها شيئاً إذا قورنت معرفتنا بها بما بتنا نعرفه عن الفضاء.
2700 عالِم من 80 دولة و10 سنوات و650 مليون دولار تكاتفوا لوضع أكمل دراسة عن الحياة في المحيطات والبحار «كلنا مواطنون في البحر».
وهاهم العلماء مندهشون أمام ضخامة ما بدأوا يكتشفونه في الأعماق، وباتوا على ثقة كاملة بأن ما في المحيطات حيوي جداً للحياة على اليابسة. إنه انقلاب في المفاهيم، تجدر متابعته.

‮«‬كل‭ ‬مظاهر‭ ‬الحياة‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الأرض،‭ ‬مرهونة‭ ‬بالحياة‭ ‬في‭ ‬داخل‭ ‬المحيطات‭. ‬فالحياة‭ ‬البحرية‭ ‬تمدنا‭ ‬بنصف‭ ‬الأوكسيجين،‭ ‬وكثير‭ ‬من‭ ‬الطعام،‭ ‬وتعدّل‭ ‬المناخ‭. ‬كلنا‭ ‬مواطنون‭ ‬في‭ ‬البحر‮»‬. ‬هكذا‭ ‬تحدث‭ ‬إيان‭ ‬بوينر (‬Ian Poiner) رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬إدارة‭ ‬مشروع ‬‮«‬إحصاء‭ ‬الحياة‭ ‬البحرية» ‮‬(Census of‭ ‬Marine Life)، وهو‭ ‬يعلن‭ ‬بياناً‭ ‬عن‭ ‬نتائج‭ ‬المشروع‭ ‬العملاق‭ ‬الذي‭ ‬يسد‭ ‬ثغرة‭ ‬هائلة‭ ‬في‭ ‬معرفة‭ ‬البشر‭ ‬للحياة‭ ‬في‭ ‬المحيطات‭. ‬

لقد‭ ‬اكتشف‭ ‬2700‭ ‬عالم‭ ‬من‭ ‬80‭ ‬دولة،‭ ‬شاركوا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬العلمي‭ ‬العملاق،‭ ‬أن‭ ‬بحار‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭ ‬ومحيطاتها،‭ ‬أغنى‭ ‬وأكثر‭ ‬تنوعاً‭ ‬مما‭ ‬كان‭ ‬علماء‭ ‬المحيطات‭ ‬يتوقعون. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬العلماء‭ ‬أنفسهم‭ ‬وقفوا‭ ‬مندهشين‭ ‬أمام‭ ‬ضخامة‭ ‬مقدار‭ ‬المعلومات‭ ‬التي‭ ‬كشفتها‭ ‬الدراسة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يسبق‭ ‬لها‭ ‬مثيل‭ ‬في‭ ‬اتساعها،‭ ‬إلا‭ ‬أنهم‭ ‬يؤكدون‭ ‬أن‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬الأسرار‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬في‭ ‬بطن‭ ‬المحيطات،‭ ‬تنتظر‭ ‬مزيداً‭ ‬من‭ ‬الأبحاث‭ ‬والاستكشاف‭.‬

حصيلة‭ ‬عشر‭ ‬سنوات
في‭ ‬يوم‭ ‬الإثنين‭ ‬4‭ ‬تشرين‭ ‬الأول‭ / ‬أكتوبر ‭ ‬2010م،‭ ‬أعلن‭ ‬مشروع‭ ‬‮ «إحصاء‭ ‬الحياة‭ ‬البحرية‮»‬،‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬البريطانية‭ ‬لندن،‭ ‬بياناً‭ ‬عن‭ ‬نتائج‭ ‬المشروع‭ ‬الذي‭ ‬استغرق‭ ‬سنوات‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬البحث‭ ‬والاستكشاف‭ ‬في‭ ‬البحار‭ ‬والمحيطات،‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مناطق‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭ ‬بلا‭ ‬استثناء،‭ ‬وكوّن‭ ‬مكتبة‭ ‬معلومات‭ ‬هائلة‭ ‬تضم‭ ‬ملايين‭ ‬البيانات،‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الذي‭ ‬نعيش‭ ‬على‭ ‬ضفافه،‭ ‬ولا‭ ‬نعرف‭ ‬عنه‭ ‬سوى‭ ‬القليل‭.‬

فقد‭ ‬تولت‭ ‬الفرق‭ ‬العلمية،‭ ‬المكوّنة‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬علماء‭ ‬المحيطات‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬الغطس‭ ‬والمراقبة‭ ‬واستخراج‭ ‬العينات‭ ‬ودرسها،‭ ‬من‭ ‬أشد‭ ‬مياه‭ ‬البحار‭ ‬برودة‭ ‬في‭ ‬القطبين‭ ‬الشمالي‭ ‬والجنوبي،‭ ‬إلى‭ ‬أشدها‭ ‬دفئاً،‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الاستوائية‭. ‬أما‭ ‬الحيوانات‭ ‬والكائنات‭ ‬البحرية‭ ‬التي‭ ‬تناولتها‭ ‬أبحاث‭ ‬المشروع‭ ‬العملاق،‭ ‬فراوحت‭ ‬من‭ ‬أصغر‭ ‬الجراثيم‭ ‬حجماً،‭ ‬إلى‭ ‬أضخم‭ ‬حيوانات‭ ‬رتبة‭ ‬الحيتان‭.‬

ولم‭ ‬تقف‭ ‬أعمق‭ ‬الأعماق‭ ‬في‭ ‬المحيطات‭ ‬عائقاً‭ ‬دون‭ ‬عمل‭ ‬علماء‭ ‬المشروع. ‬فقد‭ ‬وصلوا‭ ‬في‭ ‬أبحاثهم‭ ‬إلى‭ ‬عمق‭ ‬10‭,‬000‭ ‬متر (‬6,2‭ ‬ميل)‬،‭ ‬في‭ ‬أغوار ‬‮«‬ماريانا‮»‬،‭ ‬جنوب‭ ‬شرق‭ ‬اليابان،‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬الأعماق‭ ‬السحيقة‭ ‬التي‭ ‬تكاد‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أعمق‭ ‬قيعان‭ ‬البحار‭ ‬والمحيطات‭ ‬في‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭.‬

لقد‭ ‬لاحق‭ ‬العلماء‭ ‬الحيوانات‭ ‬البحرية‭ ‬واقتفوا‭ ‬أثرها،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬محاولة‭ ‬اكتشاف‭ ‬عاداتها‭ ‬وطرق‭ ‬هجرتها‭ ‬البحرية‭ ‬ومستوطناتها،‭ ‬وكذلك‭ ‬لمعرفة‭ ‬توالدها‭ ‬وتناسلها،‭ ‬وممّ‭ ‬تتغذى‭.‬

ظواهر‭ ‬غريبة‭!‬
وفي‭ ‬السنوات‭ ‬العشر‭ ‬التي‭ ‬استغرقها‭ ‬العمل‭ ‬الجماعي‭ ‬في‭ ‬المشروع،‭ ‬راقب‭ ‬العلماء‭ ‬بعض‭ ‬الظواهر‭ ‬الغريبة،‭ ‬مثل ‬‮«‬مقهى‭ ‬القرش‭ ‬الأبيض»‬‭(‬White Shark Cafe‭) ‬،‭‬ وهو‭ ‬موقع‭ ‬بعيد‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬المحيط‭ ‬الأطلسي،‭ ‬تقصده‭ ‬قطعان‭ ‬القرش‭ ‬الأبيض‭ ‬في‭ ‬الشتاء‭ ‬والربيع،‭ ‬مع‭ ‬أنها‭ ‬من‭ ‬الأسماك‭ ‬التي‭ ‬تمكث‭ ‬عادة‭ ‬في‭ ‬البحار‭ ‬على‭ ‬مقربة‭ ‬نسبية‭ ‬من‭ ‬الشواطئ. ‬أو‭ ‬مثل «ملاعب الحفش» (Sturgeon playground) والحفش‭ ‬سمك‭ ‬ضخم‭ ‬يُستخرج‭ ‬منه‭ ‬الكافيار،‭ ‬ويفضل‭ ‬العيش‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬البحرية‭ ‬الباردة. ‬أو‭ ‬مثل‭ ‬البكتيريا‭ ‬والرخويات‭ ‬الهائلة‭ ‬الأحجام‭.‬

وكان‭ ‬علماء‭ ‬المشروع‭ ‬قد‭ ‬كشفوا‭ ‬النقاب‭ ‬في‭ ‬آب / أغسطس‭ ‬2012م،‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬أغنى‭ ‬المراتع‭ ‬البحرية‭ ‬بالحياة‭ ‬هي‭ ‬البحار‭ ‬المحيطة‭ ‬بأستراليا‭ ‬واليابان،‭ ‬وأن‭ ‬القشريات (‬طائفة‭ ‬من‭ ‬الكائنات‭ ‬البحرية‭ ‬المسماة‭ ‬قشرية،‭ ‬ومنها‭ ‬أنواع‭ ‬السرطان‭ ‬وجراد‭ ‬البحر‭ ‬والروبيان‭ ‬وغيرها)‬،‭ ‬هي‭ ‬المجموعة‭ ‬الكبرى‭ ‬من‭ ‬الكائنات‭ ‬المستوطنة‭ ‬في‭ ‬البحار. ‬فهي‭ ‬تشكل‭ ‬نحو‭ ‬خُمس‭ ‬مجموع‭ ‬الكائنات‭ ‬البحرية‭.‬

مليون‭ ‬نوع‭ ‬حيوان‭ ‬ومليار‭ ‬نوع‭ ‬جراثيم
ويقدر‭ ‬العلماء،‭ ‬بعدما‭ ‬عملوا‭ ‬في‭ ‬المشروع،‭ ‬أن‭ ‬ثمة‭ ‬مليون‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الحيوانات‭ ‬والكائنات‭ ‬الحية‭ ‬البحرية،‭ ‬لكن‭ ‬250‭,‬000‭ ‬منها‭ ‬فقط،‭ ‬وُصفت‭ ‬وصُنّفت‭ ‬رسمياً،‭ ‬في‭ ‬الأدبيات‭ ‬العلمية‭ ‬في‭ ‬القرون‭ ‬الماضية‭ ‬وحتى‭ ‬اليوم. ‬ولم‭ ‬يُدرج‭ ‬العلماء‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأرقام‭ ‬أنواع‭ ‬الجراثيم‭ ‬البحرية،‭ ‬التي‭ ‬قدر‭ ‬المشروع‭ ‬عددها‭ ‬بنحو‭ ‬مليار… ‬نعم،‭ ‬مليار‭ ‬نوع‭.‬

وتقول‭ ‬ميريام‭ ‬سِبويه،‭ ‬نائبة‭ ‬رئيس‭ ‬لجنة‭ ‬إدارة‭ ‬المشروع‭ ‬العلمية،‭ ‬‮ «إن‭ ‬الإحصاء‭ ‬وسّع‭ ‬نطاق‭ ‬العالم‭ ‬المعروف‭ ‬عند‭ ‬البشر،‭ ‬وقد‭ ‬أدهشتنا‭ ‬الحياة‭ ‬حيثما‭ ‬نظرنا‭. ‬ففي‭ ‬أعماق‭ ‬البحار‭ ‬السحيقة،‭ ‬وجدنا‭ ‬مجتمعات‭ ‬كائنات‭ ‬حية‭ ‬ثرية‭ ‬ووافرة‭ ‬وغنية،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الظروف‭ ‬القصوى‮»‬.‬

وجمع‭ ‬الإحصاء‭ ‬معلومات‭ ‬وافية‭ ‬عن‭ ‬16‭,‬764‭ ‬نوعاً‭ ‬من‭ ‬السمك‭ ‬المعروف‭ ‬والموصوف‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬البحرية،‭ ‬لكن‭ ‬ثمة‭ ‬تقديراً‭ ‬أن‭ ‬5‭,‬000‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬السمك،‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬غير‭ ‬معروفة،‭ ‬ولا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬اكتشافها‭.‬

نظام‭ ‬معلومات
ومن‭ ‬أهم‭ ‬عناصر‭ ‬الحصيلة‭ ‬التي‭ ‬عاد‭ ‬بها‭ ‬العلماء‭ ‬من‭ ‬رحلتهم‭ ‬الاستكشافية‭ ‬الطويلة،‭ ‬ما‭ ‬سمي: ‬نظام‭ ‬معلومات‭ ‬المحيطات‭ ‬البيولوجية‭ ‬الجغرافية ‬‮«‬أوبيس»‬ Ocean Biogeographic Information System‭ ‬OBIS، وهو‭ ‬قاعدة‭ ‬معلومات‭ ‬تضم‭ ‬28‭ ‬مليون‭ ‬تقرير‭ ‬معاينة‭ ‬علمية،‭ ‬لما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬120‭,‬000‭ ‬نوع،‭ ‬مما‭ ‬جمعه‭ ‬العلماء‭ ‬منذ‭ ‬قرون‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭.‬

أما‭ ‬مقدار‭ ‬المعلومات‭ ‬التي‭ ‬يتعين‭ ‬بَعدُ‭ ‬جمعها‭ ‬من‭ ‬البحار،‭ ‬فيتوقف‭ ‬على‭ ‬المنطقة،‭ ‬لأن‭ ‬ثمة‭ ‬مناطق‭ ‬معروفة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مناطق‭ ‬أخرى. ‬ففي‭ ‬البحار‭ ‬الأوروبية‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يتعين‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬نحو‭ %‬10‭ ‬من‭ ‬مجمل‭ ‬عناصر‭ ‬الحياة‭ ‬البحرية،‭ ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬النسبة‭ ‬تقفز‭ ‬إلى‭ %‬75‭ ‬في‭ ‬مياه‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط‭ ‬العميقة،‭ ‬وإلى 80%، في‭ ‬مياه‭ ‬البحار‭ ‬المحيطة‭ ‬بأستراليا. ‬وقد‭ ‬دعت‭ ‬إدارة‭ ‬الإحصاء‭ ‬المؤسسات‭ ‬والجامعات‭ ‬والعلماء‭ ‬إلى‭ ‬المساعدة‭ ‬في‭ ‬رصد‭ ‬الحياة‭ ‬البحرية‭ ‬وإحصائها‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬والإسهام‭ ‬في‭ ‬تغذية‭ ‬قاعدة‭ ‬البيانات‭ ‬التي‭ ‬يضمها‭ ‬نظام ‬‮«‬أوبيس‮»‬.‬

ويقول‭ ‬بوينر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن: ‬‮«‬إن‭ ‬هذه‭ ‬الرحلة‭ ‬التعاونية‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين،‭ ‬قد‭ ‬أحصت‭ ‬أول‭ ‬مرة،‭ ‬ما‭ ‬نعرفه،‭ ‬والمقدار‭ ‬الهائل‭ ‬مما‭ ‬لا‭ ‬نعرفه‭ ‬في‭ ‬المحيطات‭ ‬غير‭ ‬المستكشفة»‬‭.‬

الحمض‭ ‬النووي
وإذا‭ ‬كان‭ ‬لمشاريع‭ ‬أخرى‭ ‬وجامعات‭ ‬وباحثين‭ ‬آخرين‭ ‬أن‭ ‬يسهموا‭ ‬في‭ ‬تعظيم‭ ‬حصيلة‭ ‬مشروع‭ ‬الإحصاء،‭ ‬فلا‭ ‬بد‭ ‬عندئذ‭ ‬من‭ ‬وسيلة‭ ‬لعدم‭ ‬خزن‭ ‬معلومات‭ ‬مكررة،‭ ‬فيتضخم‭ ‬حجم‭ ‬المكتبة‭ ‬العلمية‭ ‬دون‭ ‬فائدة. ‬ولهذا‭ ‬الغرض‭ ‬استخدم‭ ‬علماء‭ ‬‮«‬إحصاء‭ ‬الحياة‭ ‬البحرية»‬‭ ‬أسلوب‭ ‬التصنيف‭ ‬بالحمض‭ ‬النووي،‭ ‬فصار‭ ‬ممكناً‭ ‬التعرف‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬أنواع‭ ‬السمك،‭ ‬وهي‭ ‬تنتمي‭ ‬إلى‭ ‬35‭,‬000‭ ‬نوع،‭ ‬بسهولة‭. ‬

ولهذا‭ ‬الأسلوب‭ ‬فائدة‭ ‬مهمة‭ ‬أخرى. ‬فهو‭ ‬ينشئ‭ ‬قاعدة‭ ‬معلومات‭ ‬جينية،‭ ‬ستمكّن‭ ‬العلماء‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬من‭ ‬ملاحظة‭ ‬أي‭ ‬خلل‭ ‬أو‭ ‬تلف‭ ‬يلحق‭ ‬بالحمض‭ ‬النووي‭ ‬لدى‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬أو‭ ‬ذاك،‭ ‬ومن‭ ‬مراقبة‭ ‬أي‭ ‬ضرر‭ ‬ينتج‭ ‬من‭ ‬التلوث‭ ‬البيئي،‭ ‬مراقبة‭ ‬دقيقة‭ ‬وأكيدة‭. ‬

تقول‭ ‬باتريسيا‭ ‬ميلوسلافتش،‭ ‬وهي‭ ‬باحثة‭ ‬أساسية‭ ‬في‭ ‬المشروع: ‬‮«‬قبل‭ ‬الإحصاء،‭ ‬كنا‭ ‬نفتقر‭ ‬حتى‭ ‬إلى‭ ‬قائمة‭ ‬تضم‭ ‬أنواع‭ ‬الكائنات‭ ‬الحية‭ ‬البحرية‭ ‬المعروفة. ‬كانت‭ ‬المعلومات‭ ‬موزعة‭ ‬في‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬والوصول‭ ‬إليها‭ ‬محدود‭ ‬المجالات. ‬إذا‭ ‬شبهنا‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭ ‬بشركة،‭ ‬والبشر‭ ‬بأنهم‭ ‬المدير‭ ‬التنفيذي‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الشركة،‭ ‬فلا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬نعرف‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬أهم‭ ‬الموظَّفين‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬الشركة،‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬مهامهم‮»‬.‬

الاستكشاف‭ ‬يتحوَّل‭ ‬إلى‭ ‬سباق
وبموازاة‭ ‬مشروع ‭”‬إحصاء‭ ‬الحياة‭ ‬البحرية”، وخاصة‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬عليه،‭ ‬بدا‭ ‬للعالم‭ ‬وكأن‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬باتت‭ ‬في‭ ‬سباق‭ ‬نحو‭ ‬أعماق‭ ‬المحيطات،‭ ‬تماماً‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬قبل‭ ‬عقود‭ ‬في‭ ‬سباق‭ ‬على‭ ‬استكشاف‭ ‬الفضاء‭ ‬والوصول‭ ‬إلى‭ ‬القمر‭.‬

ففي‭ ‬الصين،‭ ‬حيث‭ ‬انتقل‭ ‬مركز‭ ‬الثقل‭ ‬الاقتصادي‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬إلى‭ ‬الشاطئ‭ ‬الشرقي،‭ ‬باتت‭ ‬الحكومة‭ ‬تزيد‭ ‬عاماً‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬الموازنة‭ ‬المخصصة‭ ‬لاستكشاف‭ ‬أعماق‭ ‬المحيط. ‬فبعدما‭ ‬أضافت‭ ‬الأبحاث‭ ‬البحرية‭ ‬عام ‭ ‬1996م،‭ ‬إلى‭ ‬مشروعها‭ ‬المسمَّى‭ “‬863‭” ‬للأبحاث‭ ‬العلمية‭ ‬المختلفة،‭ ‬راح‭ ‬نجمها‭ ‬يسطع‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال. ‬إذ‭ ‬تمكنت‭ ‬من‭ ‬بناء‭ ‬غواصة‭ ‬تُعرف‭ ‬باسم “‬جياو‭ ‬لونغ” ‬ذات‭ ‬قدرات‭ ‬متفوقة. ‬إذ‭ ‬يمكنها‭ ‬الوصول‭ ‬مأهولة‭ ‬إلى‭ ‬عمق‭ ‬7000‭ ‬متر. ‬وفي‭ ‬شهر‭ ‬يونيو‭ ‬من‭ ‬العام ‭ ‬2013م،‭ ‬أرسل‭ ‬الملاحون‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الغواصة‭ ‬رسالة‭ ‬لاسلكية‭ ‬إلى‭ ‬روَّاد‭ ‬الفضاء “شنزو 9”.

ولأن‭ ‬الدوافع‭ ‬إلى ‭”‬الغوص‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬يصل‭ ‬الآخرون‭”‬ تتمثل‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬الفخر‭ ‬القومي،‭ ‬وعوائد‭ ‬التقدم‭ ‬التكنولوجي‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬محدد‭ ‬على‭ ‬بقية‭ ‬القطاعات،‭ ‬وأيضاً‭ ‬العوامل‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والدفاعية‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬يهب‭ ‬الأمريكيون‭ ‬الذين‭ ‬طالما‭ ‬تصدروا‭ ‬عوالم‭ ‬الاستكشاف،‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬ريادتهم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭.‬

ففي‭ ‬26‭ ‬مارس ‭ ‬2012م،‭ ‬وصلت‭ ‬غواصة‭ ‬مأهولة‭ ‬إلى‭ ‬عمق‭ ‬11‭ ‬ألف‭ ‬متر‭ ‬حتى‭ ‬لامست‭ ‬قاع‭ ‬المحيط. ‬وكان‭ ‬على‭ ‬متنها‭ ‬قطب‭ ‬هوليوود‭ ‬جيمس‭ ‬كاميرون‭ ‬الذي‭ ‬شاهد‭ ‬من‭ ‬الكائنات‭ ‬البحرية‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يشاهده‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬كائنات‭ ‬لم‭ ‬تشاهد‭ ‬بدورها‭ ‬بشراً‭ ‬من‭ ‬قبل‭.‬

وإضافة‭ ‬إلى‭ ‬القطب‭ ‬الهوليوودي،‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬قيعان‭ ‬البحار‭ ‬بدأت‭ ‬تجتذب‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر‭ ‬كبار‭ ‬المتمولين‭ ‬والأثرياء‭ ‬الأمريكيين. ‬فالسير‭ ‬ريتشارد‭ ‬برانسون،‭ ‬مؤسس‭ ‬مجموعة ‭”‬فيرجين‭”‬ يعمل‭ ‬حالياً‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬غواصة‭ ‬لبلوغ‭ ‬أعمق‭ ‬قيعان‭ ‬المحيطات‭.‬

ومن‭ ‬نجوم‭ ‬الغطس‭ ‬الجدد،‭ ‬هناك‭ ‬جيف‭ ‬بيزوس،‭ ‬مدير‭ ‬أمازون‭ ‬ورئيسها‭ ‬التنفيذي‭ ‬الذي‭ ‬عثر‭ ‬في‭ ‬قاع‭ ‬المحيط‭ ‬على‭ ‬محرك‭ ‬مركبة “أبولو 11″،‭ ‬وفكتور‭ ‬زيكوف‭ ‬مدير‭ ‬العمليات‭ ‬العلمية‭ ‬في “‬معهد‭ ‬شميت‭ ‬للمحيطات” ‬الذي‭ ‬يموله‭ ‬رئيس “غوغل”..

ولكيلا‭ ‬تخسر‭ ‬الصين‭ ‬لمعان‭ ‬إنجازاتها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬وضع “‬مركز‭ ‬أعماق‭ ‬البحار‭”‬ الصيني‭ ‬برنامج‭ ‬غطس‭ ‬علمي‭ ‬يتضمن‭ ‬القيام‭ ‬بخمسين‭ ‬غطسة‭ ‬سنوياً،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تطوير‭ ‬غواصة‭ ‬نووية‭ ‬تسمح‭ ‬بإطالة‭ ‬فترة‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬الأعماق‭.‬

وتقدِّر‭ ‬معاهد‭ ‬الأبحاث‭ ‬أن‭ ‬علماء‭ ‬الغطس‭ ‬يكتشفون‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬منطقة‭ ‬جديدة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬5‭ ‬و10‭ ‬ أنواع‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬الحيوانات‭ ‬والنباتات. ‬فمهما‭ ‬كانت‭ ‬الدوافع‭ ‬إلى‭ ‬السباق‭ ‬نحو‭ ‬الأعماق‭ ‬ومهما‭ ‬تنوعت،‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬حصيلتها‭ ‬العلمية‭ ‬تزيد‭ ‬يوماً‭ ‬بعد‭ ‬يوم‭ ‬معرفتنا‭ ‬بتلك‭ ‬البيئة‭ ‬المظلمة‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬الرئة‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬عليها‭ ‬اليابسة‭ ‬المضاءة‭.‬

بين البحر والخليج
أطلس ودراسات وثروات
هيئة‭ ‬المساحة‭ ‬الجيولوجية‭ ‬السعودية

أنشأت‭ ‬هيئة‭ ‬المساحة‭ ‬الجيولوجية‭ ‬في‭ ‬عام ‭ ‬2009م‭ ‬مركز‭ ‬الجيولوجيا‭ ‬البحرية،‭ ‬الذي‭ ‬يمثل‭ ‬نقطة‭ ‬الارتكاز‭ ‬لهذا‭ ‬العلم‭ ‬في‭ ‬المملكة. ‬ويُعد‭ ‬المركز‭ ‬رصيداً‭ ‬لا‭ ‬مثيل‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬البحوث‭ ‬البحرية‭ ‬والتنمية‭ ‬في‭ ‬الجزء‭ ‬الشرقي‭ ‬من‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬والجزء‭ ‬الغربي‭ ‬من‭ ‬الخليج‭ ‬العربي. ‬ويركز‭ ‬المركز‭ ‬على‭ ‬إجراء‭ ‬البحوث‭ ‬والدراسات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالرواسب‭ ‬والمياه،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬الشعب‭ ‬المرجانية‭ ‬ومعالجة‭ ‬القضايا‭ ‬البيئية‭ ‬المحلية. ‬ويقدم‭ ‬أيضاً‭ ‬الاستشارة‭ ‬ذات‭ ‬العلاقة‭ ‬بالتقويم‭ ‬البيئي‭ ‬والخدمات‭ ‬الاستشارية‭ ‬إلى‭ ‬الجهات‭ ‬الحكومية‭ ‬والخاصة‭.‬
أرامكو‭ ‬السعودية‭ ‬
أصدرت‭ ‬إدارة‭ ‬حماية‭ ‬البيئة‭ ‬في‭ ‬أرامكو‭ ‬السعودية‭ ‬بالشراكة‭ ‬مع‭ ‬مركز‭ ‬البيئة‭ ‬والمياه‭ ‬في‭ ‬معهد‭ ‬الأبحاث‭ ‬بجامعة‭ ‬الملك‭ ‬فهد‭ ‬للبترول‭ ‬والمعادن،‭ ‬الأطلس‭ ‬البحري‭ ‬للجزء‭ ‬الغربي‭ ‬من‭ ‬الخليج‭ ‬العربي. ‬الذي‭ ‬استغرق‭ ‬إعداده‭ ‬4‭ ‬سنوات‭ ‬ليكون‭ ‬ثمرة‭ ‬40‭ ‬عاماً‭ ‬من‭ ‬الأبحاث‭ ‬ومراقبة‭ ‬البيئة‭ ‬البحرية‭ ‬للخليج‭ ‬العربي. ‬وعمل‭ ‬على‭ ‬إعداد‭ ‬هذا‭ ‬الأطلس‭ ‬د. ‬رونالد‭ ‬لافلاند‭ ‬ود. ‬خالد‭ ‬العبدالقادر،‭ ‬الخبيران‭ ‬في‭ ‬البيئة‭ ‬البحرية‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬إدارة‭ ‬حماية‭ ‬البيئة‭ ‬في‭ ‬الشركة‭.‬
جامعة‭ ‬الملك‭ ‬عبدالله‭ ‬للعلوم‭ ‬والتقنية ‭ ‬KAUST‭ ‬
تدعم‭ ‬جامعة‭ ‬الملك‭ ‬عبدالله‭ ‬للعلوم‭ ‬والتقنية،‭ ‬مختلف‭ ‬المجالات‭ ‬العلمية،‭ ‬ومنها‭ ‬أبحاث‭ ‬تدعم‭ ‬البيئة‭ ‬البحرية،‭ ‬وتقيم‭ ‬ورش‭ ‬عمل‭ ‬مختلفة،‭ ‬وتنظم‭ ‬رحلات‭ ‬بحرية‭ ‬للمهتمين. ‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬الأبحاث ‬‮«‬استشراف‭ ‬آفاق‭ ‬استخدام‭ ‬كائنات‭ ‬حية‭ ‬فريدة‭ ‬من‭ ‬البرك‭ ‬المالحة‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬في‭ ‬التطبيقات‭ ‬التجارية‮»‬ ‬الرامي‭ ‬إلى‭ ‬استكشاف‭ ‬الثروات‭ ‬التي‭ ‬يزخر‭ ‬بها‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬استغلالها‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬العلمية‭ ‬والطبية‭ ‬التي‭ ‬تصب‭ ‬في‭ ‬مصلحة‭ ‬البشرية‭ ‬كافة‭.‬

ويجرى‭ ‬أيضاً‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬الأبحاث‭ ‬الأخرى‭ ‬عن‭ ‬الأعماق‭ ‬غير‭ ‬المكتشفة‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر،‭ ‬بقيادة‭ ‬المدير‭ ‬المؤسس‭ ‬لمركز‭ ‬أبحاث‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬البروفيسور‭ ‬جيمس‭ ‬ليوتن. ‬ومن‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬تؤدي‭ ‬الاكتشافات‭ ‬إلى‭ ‬إلقاء‭ ‬ضوء‭ ‬جديد‭ ‬على‭ ‬خبايا‭ ‬هذا‭ ‬البحر ‬‮«‬العتيق‮»‬. ‬ويساعد‭ ‬الجامعة‭ ‬في‭ ‬مهمتها‭ ‬هذه،‭ ‬وقوعها‭ ‬على‭ ‬شاطئ‭ ‬هذا‭ ‬البحر،‭ ‬وتماسها‭ ‬المباشر‭ ‬به‭.‬

أضف تعليق

التعليقات