الحياة اليومية

أتبني بيتاً؟
لحظة من فضلك

يمثل منتصف العمر مرحلة الاستعداد لبناء بيت الأسرة .. ففيه يتم اختيار الأرض وشراؤها، ثم يبدأ الاستعداد للبناء. وغالباً، يظن صاحب المشروع أنه يخوض تجربة بديهية مفهومة لكل الناس. فجأة، يجد نفسه أمام أسئلة تغيب إجابات بعضها، ثم يواجه أسئلة أصعب تبدأ بمسألة (تفصيل البيت) ولا تنتهي عند استلام المفاتيح. يتساوى في ذلك أصحاب المداخيل المرتفعة والمحدودة. إلى درجة أن الجميع يرددون أثناء عملية البناء الطويلة المثل السائد: «العمار قطعة من نار».
فكيف تتفادى – قدر المستطاع – المزالق وتحصل على إجابات عن أسئلتك؟ فيما يلي رؤيتان واحدة لمتخصص بارز في الهندسة المعمارية، والأخرى موجزة لصاحب تجربة..

1
تصميم المسكن:
محاولة للتفاعل مع الحياة
د. مشاري النعيم

لا أعلم لماذا عندما نفكر في الحديث عن المسكن تتدافع كثير من الأفكار والمتطلبات وكأن الموضوع يضج بقضايا لم تجد لها حلولاً حتى الآن. فأنا وحتى هذه اللحظة لم أجد من هو راضٍ تمام الرضا عن المسكن الذي يعيش فيه. ربما يكون عدم الرضا متوقعاً ولكن هل من الممكن تقليله، أو على الأقل إعطاء فرصة للساكن أن يبحث عن حلول ذاتية تمكنه من معالجة ما لا يرضيه في مسكنه؟ إننا نتحدث عن ظاهرة إنسانية وكائن حي هو المسكن، وتعاملنا معه على أنه كائن حي هو الحل الوحيد للكثير من المشكلات التي يمكن أن نتفاداها في المستقبل. الحقيقة إن هناك من يبحث عن بعض النصائح حول تصميم وبناء مسكنه، وهذا أمر طبيعي بل ومحبذ ولكن هناك ما هو مختلف في كل منا وما هو مشترك، وفي رأيي إن ما هو مختلف أكثر أهمية بالنسبة للمصمم مما هو مشترك على الرغم من أن مصمم المسكن عادة ما ينطلق في تصميمه من الصورة الاجتماعية – الثقافية قبل الخصوصية الفردية لصاحب المسكن. ولكن في نهاية الأمر ما يميز المسكن هو هذه الخصوصية التي يجب على المصمم أن يفهمها بعمق ويعكسها في تصميمه، ويعطي نصائح حول السبل التي يجب أن تتبعها الأسرة كي تحصل على مسكن مناسب فيه بعض المجازفة، فالمسألة تحتاج إلى الحديث عن قضايا عامة أكثر من القضايا الخاصة، وهو ما سوف نقوم به في هذا المقال.

المربع الأول
من أكثر القضايا التي تهم الأسرة السعودية في الوقت الراهن مسألة تأمين المسكن المناسب، والمشكلة هنا ليست في تأمين المسكن ولكن في كلمة “مناسب”. فما هو المسكن المناسب للأسرة السعودية ؟ وهذا السؤال لا يمكن الإجابة عنه دون فهم عميق للأسرة ذاتها. فلو حاولنا أن نتعرف على شكل الأسرة السعودية المعاصرة سوف نجد أنها تختلف كثيراً عن ذي قبل. فلم يعد عدد أفراد الأسرة مؤثراً كما هو في السابق، والمقصود هنا هو أن فكرة المسكن الكبير لم تعد مهمة بقدر جودة المسكن نفسه. على أن هناك مشكلة أخرى هي تطلعات أفراد الأسرة إلى أن يكون لكل منهم المكان الخاص به وهذا يعيدنا إلى المربع الأول في لعبة المسكن المناسب. فمن وجهة نظري تظل مشكلة الحجم المناسب للمسكن هي المعضلة الأولى التي تستهلك كل مدخرات الأسرة. فإذا كان حجم الأسرة قد تقلص قليلا فإن تطلعاتها زادت كثيراً وهو ما يجعل فكرة المسكن وصورته الذهنية غير واضحة بما فيه الكفاية.

واجهات للأفراد
من خبرة طويلة في تصميم مساكن للأسرة السعودية تبين لي أن مساحة الفراغات، خصوصاً تلك الخاصة بالضيوف من الرجال تعتبر مهمة جداً ومقدمة على أي طلبات أخرى، وهو أمر يعرفه الجميع ولا تستطيع أية أسرة التنازل عنه، فالمجلس هو “واجهة الرجل”، على أن المشكلة هي أن المجلس أصبح كذلك “واجهة المرأة”، كما أن الصالة أصبحت “واجهة الأسرة”، وظهر مؤخراً ما نسميه الآن “غرفة معيشة”، فلم تعد فضاءات الطابق الأرضي لاستخدام الأسرة، بل صارت تحصر استمتاعها بالمسكن فقط في غرفة واحدة تقريباً. وهذا بالتأكيد يزيد من المشكلة ويعقدها، لأنه بالإضافة، إلى الحاجات الكثيرة التي تطلبها الأسرة في مسكن المستقبل فهي تحتاج إلى فراغات غير مستخدمة كثيراً وبمساحات كبيرة من أجل إرضاء المجتمع. ربما تكون هذه مسألة ثقافية بحتة وهو ما لا أنكره على المسكن السعودي المعاصر ولكن هناك أولويات يجب أن ترتب وتوضع في الحسبان وإلا سيكون المسكن مصدر هدر وضغط على مدخرات الأسرة وسوف يقلل من مقدرة الأسرة في الحصول على مسكن مناسب وربما يجعلها
لا تحصل على مسكن مطلقا.

إذن يجب أن يُفَكر في المسألة على هذا المستوى، لأننا لو سألنا أنفسنا كم من الأسر تستطيع أن تحصل على مسكن يحقق الصورة الذهنية القائمة الآن فإننا لن نجد إلاَّ عدداً قليلاً من الأسر التي يمكنها بناء مسكن بالمواصفات نفسها التي تبنى عليها المساكن عندنا الآن. وأعتقد أنه يمكننا أن نحقق المسكن المناسب وظيفياً واجتماعياً وثقافياً للأسرة السعودية دون أن نتوسع كثيراً في مساحة المسكن. وهذا يمكن أن يحدث عندما يكون هناك تعامل واقعي مع الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها وسيعيشها المجتمع السعودي في المستقبل. وأنا لا أقول أن على الأسرة أن تقبل بالأقل على العكس فما أتمناه أن ترى الأسرة في المسكن مكاناً للحياة، أن تراه كائناً حياً فهو يستمد هذه الحياة من حياة الأسرة نفسها، وأن بحثها وتقصيها لما هو المسكن المناسب لها يجب ألاَّ يذهب بها إلى مقارنات مع الآخرين مما قد يجعل من المسكن غير معبر عما ترغب الأسرة فيه بقدر ما يعبر عن أولئك التي تمت المقارنة معهم. هذه المشكلة من أحد أهم مصادر تشتت الأسرة عند تصميم المسكن، ويبدو أن تدخل الأصدقاء في تصميم المسكن موجود في كل الثقافات. إذ يتحدث فرانك لويد رايت، المعماري الأمريكي المعروف، عن تجربته في تصميم المساكن، خصوصاً تلك التي صممها لبعض سيدات المجتمع الأمريكي في كاليفورنيا، فيشكو من تدخلات أصدقاء تلك السيدات وترددهن وحتى عدم ثقتهن، ويقول إنهن يثقن بالمقاول أكثر منه، مع أنهن أتين إليه لتحقيق أحلامهن في تصميم مسكن يعكس شخصيتهن. كان هذا الحديث في العشرينيات من القرن الماضي، ولم يتغير حتى الآن، وهذا يؤكد أن فكرة التدخل من قبل أصدقاء الأسرة أثناء التصميم مسألة ثقافية بحتة.

هذه الظاهرة ربما أصبحت منتشرة الآن عندنا بعد تزايد دور المرأة في تصميم المسكن، فمن المعروف أن اهتمام المرأة السعودية بالمسكن فرضته التحولات الكبرى التي طرأت على دورها في المجتمع المعاصر. فمن ناحية أصبحت المرأة أكثر خبرة من خلال التعليم والسفر إلى الخارج، ومن ناحية أخرى هناك استقلالها الاقتصادي الذي جعلها قادرة على اتخاذ قرارات في المسكن وتنفيذها دون الحاجة إلى رأي الرجل. وإذا ما وضعنا في اعتبارنا أن المرأة غالباً ما تهتم بحياة الأسرة والخصوصية، والسلوك الاجتماعي وتربية الأطفال، نرى كيف أصبح تصميم المسكن يستجيب بعمق لهذه العوامل الأربعة، فلم يعد المسكن مجرد مأوى بل هو فضاء للتفاعل مع الحياة. أنا هنا أشجع المرأة أن ترى في المسكن ظاهرة أنثوية، والذي أستطيع أن أقوله في هذا المجال هو أنه يجب على المرأة أن تطبع المسكن بطابعها، وهذا لا يمكن أن يتحقق فقط بالمشاركة في التصميم وتقليد الآخرين، بل يجب البحث في الذات وتحديد ما ترغب فيه الأسرة، وكيف ستتحقق هذه الرغبة أثناء تصميم المسكن وبعد تنفيذه وبعد مرور سنوات على سكناه.

ينتهي البناء.. يبدأ التغيير
وهذا يجعلنا نضيف البعد الرابع وهو الزمن في مسألة تصميم المسكن، فنحن نبني في الحاضر من أجل المستقبل، فهناك فاصل زمني بين التصميم والسكن ربما تحدث فيه متغيرات كثيرة. كما أن هناك من يقول إنه عندما ينتهي بناء المسكن يبدأ التغيير. يقودنا هذا إلى قضية أخرى هي المرونة التي يجب أن يكون عليها المسكن.

فمن الطبيعي أن يتغير احتياج الأسرة ومن الطبيعي أن يواكب هذا التغيير تعديل على المسكن، لكن الأمر مغفل تماماً في تصميم المسكن السعودي نتيجة عدم الخبرة وعدم التفكير في المستقبل. لذلك فإن ما يجب أن تفكر فيه الأسرة هو وضع “سيناريوهات” محتملة لما يمكن أن يحدث للأسرة من تحولات وكيف يمكن للتصميم أن يحترم هذه التحولات المستقبلية. وعلى أية حال يجب أن نتذكر مرة أخرى أن المسكن كائن حي ينمو ويكبر وربما يشيخ. “إنه استجابة لحياة الأسرة”، وهذا ليس له دخل في حجم المسكن أبداً. وما أود أن أقوله هنا هو أن المساكن الصغيرة أكثر ديمومة وأكثر حميمية فهي تجمع أفراد الأسرة وتقربهم مع بعضهم البعض، كما أنها اقتصادية ويمكن تغيير تصميمها بأقل تكلفة ممكنة، وهذا عكس المساكن الكبيرة التي لا تستجيب لتحولات الأسرة (فهي كبيرة ولا يمكن تصغيرها ولا تحتاج أن تكبر أكثر) فهي مساكن تفتقر للحياة كما أنها عادة ما تكون عالة على الأسرة.

كما أنني أرى أن المصمم والمعماري عليه مسؤولية كبيرة. فالمتوقع منه أن يقدم النصح والتوجيه، فالواقع يقول إن الأسرة السعودية تحتاج إلى الكثير من التفاعل مع المسكن أثناء التصميم، وهذا ما لمسته بنفسي عندما تحدثت مع الكثير حول مساكنهم بعد الإنشاء. فالسائد هو الكثير من المفاجآت وعدم الرضا. البعض أكد أنه لم يكن يعلم أن المسكن سوف يكون بهذا الشكل، أو أنه لو تأنّى قليلاً لكان مسكنه أكثر ملاءمة لاحتياجه. ومع أن ظاهرة عدم الرضا طبيعية نتيجة لتغير خبرة الإنسان ورغباته مع تقدم الوقت، إلا أن التفاعل مع المصمم له دور كبير في تقليل المشاكل التي يمكن أن تنتج في المستقبل. وهنا قد تحتاج الأسرة للتروي سواء عند اختيارها للمصمم أو عند البحث معه في مسألة برنامج التصميم.

فكرة «المسكن»
كنت أفكر كيف يمكن أن يكون المسكن حياً، وهل يكفي أن يكون الحجم هو المعيار للحياة؟ وهل تعكس المرونة التفاعل الذي يصنع الحياة في المسكن؟ إن هذين العنصرين مهمان لحياة المسكن، ولكن هناك الكثير الذي يمكن أن نتحدث عنه حتى تتحقق فكرة الحياة التي نتمناها في مساكننا. أحد الأسئلة التي كنت أسألها نفسي كيف يمكن أن نصنع فكرة “المسكن” التي تتجاوز مسألة “البيت”. الفرق واضح بين البيت والمسكن، والحقيقة أن البيت لا يصبح مسكناً إلا بعد أن تنتقل الأسرة إليه وتبني علاقة معه. هذه العلاقة بين الأسرة والمكان الذي تعيش فيه تحتاج إلى إعداد مبكر يبدأ من ترتيب الأولويات إلى مشاركة كل أفراد الأسرة في التصميم إلى البحث عن العناصر التي يمكن أن تجمع أفراد الأسرة وتقربهم من بعضهم البعض وأخيراً إلى أسلوب حياة الأسرة التي تجعل كل ركن في المسكن مكاناً لبعث الذاكرة الجماعية لأفراد الأسرة. لا أتوقع أن ينفصل تصميم المسكن عن كل هذا ولا أعتقد أن كل المساكن القائمة لا تحتاج لمثل هذا التفاعل بين الإنسان والمكان داخل المسكن. ربما كان السؤال الجدير بالنقاش هو كيف يمكن أن نحول بيوتنا القائمة إلى مساكن؟ وأنا أرى أنه ليست هناك إجابة واحدة عن هذا السؤال بل هناك آلاف الإجابات. فكل أسرة عندها إجابة مختلفة وربما تحتاج أن تبحث بعض الشيء عما يمكن أن يخلق العامل المشترك بين أفرادها، عما يجعل المسكن مكان لقاء ومكان بناء الذاكرة الجماعية للأسرة. هذا التنوع هو ما يجعل كل مسكن في حد ذاته مشكلة خاصة.

ومن أجل تسهيل الأمر على القارئ، حاولت أن أطوّر بعض المبادئ التي قد تساعده أثناء تصميم مسكن المستقبل. كل مبدأ من هذه المبادئ يتكون من كلمتين متقابلتين بينهما علاقة وثيقة ومؤثرة في تصميم المسكن، كما أن ما بين هاتين الكلمتين تناقض ظاهري، في حقيقة الأمر فإن تناقضهما يثير عدداً كبيراً من الأسئلة التي قد تكون مفيدة جداً.

العام/الخاص
إنه مبدأ يثير مسألة اختيار موقع المسكن بالدرجة الأولى، فالجار قبل الدار، وقد كنت قبل فترة أقرأ في إحدى الصحف البريطانية عن تأثير الرمز البريدي على قيمة العقار بشكل عام، والمقصود هنا هو الموقع. كما أننا جميعاً نعرف ما للموقع من تأثير في الصورة الذهنية لمكانة الأسرة. على أية حال فإن اختيار الموقع المناسب مهم ويجب أن يعتبر أحد أهم الأولويات. كما أن هذا المبدأ يثير كذلك مسألة “الداخل والخارج”، وهي قضية ثقافية طالما أثرت على شكل المسكن وعلى تواصل الأسرة مع المحيط الخارجي. يندرج في ذلك مواقع المجالس وشكل المسكن من الخارج وبوابة وسور المسكن والحديقة الخارجية. مبدأ العام والخاص يمكن أن يتدخل حتى في توزيع الفراغات الداخلية للمسكن فهناك دائماً تدرج في الفراغات من العام إلى الخاص وبالعكس. والذي نأمله من الأسرة هو أن تمارس تجربة ذهنية وأن تقوم بترتيب فراغات المسكن على هذا الأساس، فنحن على يقين أن فكرة العام والخاص تختلف عند كل منا فهي مسألة مرتبطة بأسلوب الحياة التي تجعلنا نفسر القيم بأشكال مختلفة ولكنها جميعهاً تفسيرات صحيحة.

التقنية/المطلب الاجتماعي
ربما نكون قد تحدثنا عن هذا المبدأ بعض الشيء، ولكنه بالتأكيد أحد الركائز المهمة التي يغفل عنها كثير من الناس أثناء تصميم مساكنهم. فالمطلب الاجتماعي للأسرة متغير، فهي تكبر وتصغر وتتغير اهتمامات أفرادها وتزداد خبراتهم الجمالية. كما أن التقنية في تطور مستمر فهناك أجهزة جديدة، وهناك مواد جديدة كلها تؤثر في شكل المسكن بعد البناء. وما لم يكن هناك تصور لماهية التغيرات المحتملة، فما يحصل غالباً إما أن يرضى الساكن بما خرج به وإما أن يغير في المسكن بتكاليف باهظة وإما أن يغيره بالكامل، وكلها حلول يمكن تجاوزها إذا وضعت الأسرة سيناريوهات للتغيرات المحتملة وإذا استثمرت التطورات التقنية الكبيرة من خلال تبني نظم إنشائية مرنة، بالإضافة إلى العمل مع المصمم للوصول إلى تصميم فراغي مرن يسمح بالتغيير.

الخصوصية/الحميمية
ربما يوافقني بعض القراء على تبني هذا المبدأ كأحد المبادئ المؤثرة في تصميم المسكن، مع أني أراه مهماً وعاطفياً. فغالباً ما تستحوذ الخصوصية على جل اهتمامنا، حتى في فراغاتنا الخاصة داخل المسكن، مع أننا نعتبر المسكن المكان الوحيد لالتقاء أفراد الأسرة. يحدثني البعض عن مساكنهم بأنها لا تتيح له فرصة رؤية أبنائه مع أنه راعي البيت “وكل راع مسؤول عن رعيته”. فكيف نستطيع إتاحة أكبر قدر من الحميمية داخل المسكن مع المحافظة على الخصوصية. ربما يكون الأمر فرصة أخرى للأسرة لممارسة لعبة ذهنية يحاول كل فرد فيها ممارسة دوره، يتخيله ويضع تصوراً للكيفية التي يمكن أن يلتقي فيها مع الأدوار الأخرى لأفراد أسرته. والذي أعتقده أنها ممارسة ممتعة لأفراد الأسرة أثناء التصميم وستكون أكثر متعة بعد الانتقال إلى المسكن الجديد.

الاستخدام/الصيانة
ربما يكون هذا آخر المبادئ التي أنصح القارئ الاهتمام بها أثناء تصميم المسكن، فمسألة أن يكون المسكن عملياً وصيانته سهلة وغير معقدة مسألة مهمة. هناك الكثير من القضايا التي يمكن التفكير فيها في هذا المجال تبدأ من تبني النظام الإنشائي المرن إلى النظم الميكانيكية والكهربائية البسيطة إلى استخدام مواد جيدة حتى وإن كانت مكلفة.

2
ناقش الصغيرة قبل الكبيرة
جهاد قطّان

ما تحتاجه، قبل البدء، هو أخذ الوقت الكافي للتخطيط، فالتسرع قد يؤدي إلى قرارات تؤسس ثغرات في بناء بيتك ويصعب علاجها فيما بعد.

هيّء نفسك جيداً، وتخيل شكل البيت الذي يلائمك وتتمناه لنفسك ولعائلتك، اطلع على المجلات المتخصصة المتوافرة في الأسواق، حاور أفراد عائلتك والمقربين إليك وناقشهم فيما يصح وما لا يصح.

الاطلاع والمناقشة يهيئانك جيداً وقد يعدّلان في قناعاتك الأولية نحو الأفضل. وبعد تكوين التصور الواضح للبيت الذي تريد، ابدأ العمل مع المهندس المصمم. ولا تكتفِ بذلك؛ بل اطلب من المصمم أن يعرض عليك أكثر من اقتراح، واستعن بالتصور الذي شكلته لمناقشته ومراجعة اقتراحاته. ناقشه في التفاصيل الصغيرة قبل الكبيرة، ولا تكن متفرجاً صامتاً..!

إذا انزعج المصمم من كثرة تدخلك فإن انزعاجه أهون من أن تبقى أنت – وأسرتك – منزعجين طيلة حياتكم..!

اطلب نماذج مصغرة للبيت من الخارج والداخل، ولو كلفك هذا مبلغاً إضافياً. فالنموذج المصغر يمنحك مزيداً من وضوح الرؤية، وقدرة أكبر على دراسة التفاصيل بعناية.

من أهم المسائل التي عليك دراستها في هذه المرحلة مسألة مساحة البيت التي يجب أن تتناسب مع أمور كثيرة من بينها: قدراتك المالية، والاحتياجات السكنية الحالية والمستقبلية، وطريقة الحياة والحركة داخل البيت، بما في ذلك الفراغات الصغيرة التي يمكن أن توظف في احتياجات مختلفة وعملية كأن تكون خزائن جدارية أو ما شابه ذلك.

أيضاً هناك التهوية والإضاءة خاصة حين يكون البيت كبيراً ويتضمن ممرات داخلية كثيرة، أو إذا كان محاطاً بأبنية عالية تحجب أشعة الشمس.

بعد اهتمامك بالتصميم عليك الاهتمام بنوعية مواد البناء التي يجب أن تكون ملائمة للبيئة المؤثرة في المبنى على المدى الطويل. إنها أمور يجب بحثها في العمق مع المهندس. أما الألوان الداخلية المهمة جداً في حياتك اليومية فعليك باختيار ما ترتاح إليه منها، ولا تترك أمرها للمهندس.

وهناك إجراءات السلامة التي يجب التفكير فيها جيداً. خاصة إذا كان البيت يتألف من طابقين أو أكثر فيستوجب الأمر عندها توافر سلالم حريق مثلاً. كما أن وجود حديقة تحيط بالبيت يعني أن بعض مستلزماتها يدخل في أساس تصميم المشروع مثل نظام الري وما يستدعيه من إنشاء شبكة ري.

كل هذه المتطلبات تقف أمامها الميزانية: تكلفة الإنشاء ومواد البناء. وهذه يجب أن تحددها بأكبر قدر من الدقة، بعد أن تكون قد أشبعت كل التفاصيل درساً. لأن ترك أية تفاصيل من دون اتخاذ قرار في شأنها، يؤدي لاحقاً إلى رفع تكلفة البناء، وغالباً إلى مستويات غير متوقعة، مما يسبب لك مفاجآت مزعجة ومتعبة..!

بعد التأكد من صواب قراراتك، تبدأ رحلة البناء. وقد لا تكون مطلعاً بما يكفي على المسائل الهندسية، فتجد نفسك متفرجاً طوال فترة البناء. لكن لا تغب عن ورشة العمل لمدة طويلة.

إسأل واستفسر دائماً، دع المهندس يشعر بوجودك خاصة عند القيام بأعمال البنية التحتية للبيت، مثل تمديد المواسير وأسلاك الكهرباء، لتتأكد من أن ما يتم استعماله داخل جدران منزلك وتحت أرضه لن يكون إلا الأفضل للمستقبل.
وتأتي مهمتك الصعبة عندما يبدأ التشطيب الداخلي. عندها يجب عليك الحضور إلى الورشة يومياً ومراقبة سير العمل.

ولعل أفضل وسيلة لتلافي المنغصات التي قد تفسد عليك هناء العيش في البيت الجديد، تكمن في أن تأخذ ورقة وقلماً، وتجول في بيتك القديم لتضع لائحة مفصلة بكل التفاصيل الصغيرة التي لا تعجبك فيه، وتلك التي تجدها مريحة. ومنها على سبيل المثال: مفاتيح الكهرباء ومواقعها وارتفاعها عن الأرض، تشطيبات الأبواب، تنظيم الرفوف في الخزائن الجدارية، أماكن توزيع قطع المطبخ، وصولاً في الدقة إلى موضع الصابون بالقرب من المغسلة، ودرجة انحناء المغسلة التي يجب أن تكون إلى الأمام كي لا تتجمع المياه فوقها.. لا تتوقف عند التأكد من أن البلاط الذي يتم تركيبه – مثلاً – هو نفسه الذي طلبته، بل تأكد من سلامة تركيبه قطعة قطعة، ومما إذا كانت هناك بلاطة مكسورة في تلك الزاوية، أو خلف ذاك الباب.

لا تتغاضَ عن أي من هذه التفاصيل، ولا تدع أحداً يطمئنك إلى أن هذه أمور صغيرة سوف يتم إصلاحها لاحقاً. كل صغيرة وكبيرة يجب أن تكون كما تريدها أنت. لا تيأس ولا تمل، الملل والتغاضي يؤديان إلى بقاء الأخطاء أمام ناظريك ما بقي البيت قائماً.

أضف تعليق

التعليقات