رسالة المحرر

أبناؤنا ومتاعب وقت الفراغ

 

الطفل هو السؤال الأكبر في حياتنا اليوم..
نعم .. هو نبت الحاضر، وصانع المستقبل، ورأسمال الزمن المقبل، كما نردِّد في كل مناسبة وطنية وتعليمية، لكنني سأقول بملء فمي أنَّ الخوف يتملكني عليه وعلى مستقبله.
والسبب البسيط وربما المعقّد، أننا لم نفقد السيطرة على ذلك الكائن الصغير. ربما امتلكناه جسداً فضَمِنّا له المأكل والمشرب والمَلْبَس، لكننا لم نعد صنّاع فكره وثقافته وتربيته ووعيه وبنائه النفسي والعقلي. بل إننا الحلقة الأضعف ضمن المنظومة الحياتية التي تتحكَّم فيه، والتي لم يَعُد لنا من سلطان عليها.
وإذا كان كل من المدرسة والبيت هما عمادا بناء الأطفال في الماضي القريب، فإنَّ علينا أن نعترف اليوم بأنَّ هذين الكيانين لم يعودا كذلك. فاليوم لا تشكِّل التقنية ومنتجات الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي ثقافة أولئك الأطفال وذائقتهم وقيمهم فحسب، بل إنها تعيد تشكيل حياتنا نحن الكبار وتطرح علينا أسئلة وتحديات لم نتخيلها يوماً.
وحين يحلُّ الصيف لمدة ربع عام، وتصبح إدارة وقت الأبناء والأحفاد هي مسؤوليتك، وأنَّ عليك أن تملأ هذا الوقت بالنشاطات والبرامج النافعة أو المثمرة فستعرف جسامة هذا الدور وحساسيته.
ماذا تفعل بوقتهم في هذا الطقس القاسي، وليس حولكَ من مؤسَّسات تعليمية أو تدريبية أو مهنية تساندك في شغل جزء من أوقاتهم، أو في تطوير مهاراتهم وهواياتهم بعيداً عن القيود المدرسية ومتطلباتها؟.
هل يكفي أن تطاردهم من غرفة إلى أخرى لتختطف أجهزة الآيباد والآيفون من أيديهم، وتزمجر عليهم لأنهم يقضون أطراف النهار نوماً دون أن يمنحهم أحدٌ دروباً للتسلية والترفيه والسعادة وملء الوقت؟ واستطراداً، فإنَّ الشباب الذين يحوّلون الشوارع في فصل الصيف إلى حلبات سباق وما يسفر عن ذلك من حوادث مميتة ليس سوى ردة فعل غاضبة على المؤسسات الشبابية التي لا تعبأ بطاقاتهم، وربما كانت نتيجة طبيعية للعشوائية التي يملأ الشباب بها فراغهم ويثبتون ذواتهم.
وهكذا فحين يغيب البديل، فإنك ستضطر إلى حمل صغارك أسبوعياً على الأقل إلى المراكز الترفيهية الخاصة. وهناك، ستعجب للتنافس البشع على جيوب الأطفال والأهالي، مقابل ساعة لهوٍ لن تحقِّق الفوائد الإدراكية أو العقلية التي تنشدها لأطفالك، لكنها ستزيل عن ضميرك تهمة الأب الذي يتكاسل عن اغتنام أيام الإجازة لإسعاد أطفاله.
أهل اليُسْر سيتخلَّصون من كل الأسئلة بترحيل أبنائهم إلى النوادي الصيفية في الخارج ليتعلَّموا لغة أو تخصصاً أو مهارات ما، ويتنفَّسوا بعض الهواء الطازج؟ ولكن نسبتهم ضئيلة بالطبع.
بالقرب من منتصف الليل، تعود بالأبناء إلى المنزل وفي طريق عودتك، تمرّ بعشرات المدارس مسترخية تحت الأشعة الصفراء، فتتداعى الأسئلة…. لماذا توصد هذه المباني الضخمة في أرجاء مدننا وقرانا أبوابها لفترة تقارب ربع السنة؟ ألا يمكن تحويل مهمتها لتصبح خلايا نحل تعج بالدورات وورش العمل والندوات والنشاطات المتنوِّعة التي سينتفع منها الطلاب والطالبات وحتى الآباء والأمهات بأسعار رمزية، وأن يفتح الباب للمتطوِّعين والمتطوِّعات بأجور معقولة ليسهموا في خدمة أحيائهم ومواطنيهم، فيحقِّقون بعض أحلامنا في نشر وتفعيل مفهوم الاقتصاد المعرفي والبيئة الابتكارية. ولكيلا نعمّم التشاؤم فهناك بالتأكيد تجارب أسرية نجحت في استثمار أوقات أبنائها عبر برامج ونشاطات طلابيَّة نوعيَّة وبميزانيات محدودة، وسأكون سعيداً بإضاءة تلك التجارب على صفحات هذه المجلة.
أطفالنا الذين سيصبحون غداً في صفوف القيادة يحتاجون إلى استراتيجية تعليمية متكاملة تدعمها بيوت الخبرة العالمية، وتسهم فيها كل مؤسَّسة رسمية وخاصة تربوية وثقافية وتقنية ومهنية وتخطيطية تبدأ من الفصول الأولى وتتصاعد لتصل إلى المرحلة الجامعية، وإذا لم يحدث ما يشفي أفئدتنا فإنَّ قلقنا وألمنا هذين سيتكرّران كل عام.

أضف تعليق

التعليقات