قول آخر

مستقبل الثقافة في المملكة العربية السعودية إلى أين؟

أصبح هذا السؤال سؤال المجالس والمنتديات العامة والخاصة. ولعل تأطيره يقود إلى ما يطمح له الجميع من مستقبل واعد للثقافة والفكر في هذه المملكة الواسعة الأرجاء والعريقة في تاريخ الإنسانية. بطبيعة الحال لن نكون طرفاً في الإجابة عن هذا السؤال بربط الجزيرة العربية بعوالم خارجها تشكل ثقافتها، ونفرض عليها أذواقها كما سعى طه حسين عند ربطه الثقافة في مصر بمحيط البحر الأبيض المتوسط.

فكما هو معلوم تنفتح جزيرة العرب على القارات الثلاث القديمة، وهي بقدر انفتاحها على إفريقيا انفتحت على آسيا، براً وبحراً، كما كانت لها علاقات قوية مع فضاء أوروبا وبالذات جنوبها عن طريق بلاد الشام ومصر. لكن غالبية هذه العلاقات لم تتمكن من تسيير ثقافة شبه الجزيرة العربية.

لقد صبغت الدعوة الإسلامية ثقافة الجزيرة العربية بتعاليمها وعقائدها. وانطلقت من قلب الجزيرة حضارة إنسانية تقوم على الوحي وتتجسد داخل إطار من القيم والأعراف والشمائل المتناغمة مع الثقافة العربية.

إن الحضارة الإسلامية تشكلت، على هدى الوحي وما جاء به من عقائد وقيم، وأيضاً مما استوعبته هذه الحضارة في تفاعلها مع الحضارات السابقة والمعاصرة. لكن ورغم كل هذا الانتشار والاستيعاب، بقيت جزيرة العرب تحافظ على نقاء الثقافة العربية المسلمة.

وتعد النهضة الثقافية المعاصرة محاولة لإعادة بلورة تجاور الأصالة والتجذر التاريخي للقيم والأعراف مع انفتاح مستنير جاد على الإنجازات الإنسانية في كافة المجالات.

ولعل الدارس لبواكير النهضة الثقافية الحديثة في الحجاز ونجد في النصف الأول من القرن العشرين يلحظ ذلك وبقوة. فلقد كانت أفكار المبدعين من شعراء وأدباء بشكل عام تعبر عن رغبة أكيدة في استعادة درو ريادي، والتأكيد على أن هذا الدور ممكن التحقيق.

ولعل الخطاب الثقافي المعاصر المنتظر يسعى إلى تجذير أصالة مؤكدة على انفتاح وعالمية الخطاب الذي صدر من مكة، وأن يلبسها إطار الوحدة في التنوع والتعدد والتسامح في قبول الاختلاف، كما تجده في مواسم الحج التي تستضيف كل جديد ونافع، في أيام التقاء المسلمين من كل مكان، من أجل تعميق التعارف.

ويقتضي “التعارف” القبول بالآخر وتقديم التراث والعمل في حلة مناسبة. ومن ثم انفتاح الثقافة المرجوة في قدرتها على كسب عقول وقلوب الآخرين. ومن هذا المنطلق يصبح من هموم الخطاب الثقافي الذي نتطلع إلى حضوره، أن يكون مميزاً في خصوصيته، ويحمل هم العلمية المنتظرة لما يجسده المكان والتاريخ الذي انطلق منه.

لذا فإن العالم بأسره ينظر إلى المملكة العربية السعودية، مهبط الوحي وأرض الرسالة وذات الوضع الاقتصادي المتميز أن يكون خطابها الثقافي على المستوى نفسه الذي تتمتع به في المجالات الأخرى. وبناءً على هذا، ننتظر أن يكون للثقافة رسالة عربية إسلامية عالمية، ومشروع حضاري يؤكد على الأصالة، ويلعب دوراً ريادياً في عملية تقديم المعرفة النافعة والمنفتحة على الحكمة والرؤى الإنسانية انطلاقاً من أن كل ما هو مفيد ونافع هو إرث لهذه الحضارة.

وحتى يمكننا القيام بهذا الدور، لا بد من تسخير الإمكانيات والمكانة العالية التي تتبوأها هذه البلاد في نشر أنواع مختلفة من المشروعات الثقافية المتميزة في شكل سلاسل كتب وموسوعات، والعناية بالفنون والآداب العربية والإسلامية والعالمية، وتشجيع انتشار المراكز والمؤسسات الثقافية التي من شأنها دعم كل ما هو ثقافي داخل إطار رسالة الأصالة المنشودة.

إن قيام وزارة للثقافة والإعلام يؤكد على اهتمام جاد بالثقافة، فهل سيصبح الهم الثقافي هماً حقيقياً؟ هذا ما نأمل وننتظر!

أضف تعليق

التعليقات