حياتنا اليوم

من السينما والتلفزيون والإنترنت
عبارات الشاشات على الألسنة

  • 56a
  • 58a
  • 60a
  • 62a

ثمة ما تسلل ببطء إلى لغتنا اليومية وقلائل هم الذين لاحظوه.
فبموازاة الكلام الكثير عن الأدوار الاجتماعية، الإيجابية منها والسلبية، التي تلعبها السينما والتلفزيون والإنترنت في حياة المجتمعات، قلما نلتفت إلى الدور الذي تلعبه الأفلام والإنترنت على صعيد اللغة المحكية يومياً، وهو دور يتجاوز إلى حد بعيد مسألة القواعد اللغوية، ليصل إلى التعبير عن مضمون ما يدور في الذهن بمفردات وعبارات قولبتها السينما والتلفزيون والإنترنت وزرعتها في العقول، جاهزةً للاستعمال في ظروف محددة.
وهنا ثلاثة إسهامات تقرأ هذه الظاهرة سعياً إلى تفسيرها.

السينما تخلف الشعر
في مد الناس بالمفردات والتعابير
بقلم: إبراهيم العريس*

كثيرة هي الأمثال التي نستخدمها في حياتنا اليوم، مع معرفتنا، أو من دون معرفتنا أنها وصلت إلينا من قصائد قديمة لشعراء مثل أبي الطيب المتنبي أو المعري أو ابن الرومي وغيرهم.. فهناك من يعرف، كما أن هناك من يجهل، أن عبارات مثل “على قدر أهل العزم تأتي العزائم” أو “تجري الرياح بما لا تشتهي السفن” وما إلى ذلك، هي أصلا عبارات من قصائد شعرية. ففي الماضي، كان الشعر هو المرجع الذي يستقي منه الناس أفكارهم ومواقفهم وأمثالهم. أما في زمننا فقد تبدلت الأمور كثيراً.

صارت السينما اليوم تنافس الشعر والأغاني في مد الناس بما يحتاجونه من عبارات يستخدمونها لأسباب أو لأخرى في حياتهم اليومية. صحيح أن الأغنية لا تزال المصدر الأساسي، لكن للسينما مكانتها في هذا المجال، حتى وإن نسي الكثيرون أن عبارة معينة هي مستقاة من أحد الأفلام.

التكرار للترويج أم نتيجة الرواج؟
فبعض العبارات تبقى محفوظة في ذاكرة الناس حتى بعد أن ينسوا الأفلام التي وردت فيها. ولكن هناك في المقابل بعض الناس ممن يذكرون ليس فقط اسم الفلم الذي حفظت منه هذه العبارة أو تلك، بل حتى المشهد الذي يقال فيه. كما أن ثمة فئة من الناس المهتمين جداً بالسينما، يمكنهم أن يؤكدوا أن الجملة الفلانية قالها الممثل الفلاني في هذا الفلم ثم رددها في الفلم الثاني والثالث.. وينطبق هذا بشكل خاص على نوعيات محددة من السينما العربية الشعبية، حيث يحدث في مرات كثيرة أن تنجح عبارة ما في فلم معيَّن، بالانتقال إلى شفاه الناس. فيصبح مطلوباً من الممثل قائل هذه العبارة أن يكررها في فلم آخر، وأفلام تالية، اعتقاداً بأنها سوف تتمكن مرة أخرى من اجتذاب المتفرجين.

ونذكر من تجاربنا الشخصية في العمل سابقاً على بعض الأفلام اللبنانية-المصرية المشتركة، أننا أثناء تلقين الفنان الكبير محمود المليجي على حوار معين في أحد الأفلام، لاحظنا أنه قرأ الحوار بسرعة ثم طوى الورقة ووضعها في جيبه. ولما قلنا له إن عليه حفظ الحوار بسرعة لأن التصوير سيبدأ بعد دقائق، ابتسم الرجل بطيبة قائلاً: “قلت هذا الحوار نفسه ألف مرة في ألف فلم قبل الآن”.

وخلال العمل على تصوير فلم آخر من بطولة العملاق يوسف وهبي، كان على الفنان أن يقول عبارة واحدة تلخِّص موقفاً محدداً. وخلال ثوانٍ تم الاتفاق على عبارة “شرف البنت زي عود الكبريت” ونعرف جميعاً أن هذه العبارة التي قالها وهبي في أحد أفلامه القديمة أصبحت مثلاً يُضرب ويتناوله الناس حتى يومنا الحاضر. كذلك نعرف أن السينما الشعبية كانت تريد دائماً من إسماعيل ياسين ومحمود المليجي وغيرهما أن يتلفظوا بعبارات يعرفها الجمهور جيداً. ذلك أن جزءاً لا بأس به من الكلام المستخدم في الحوارات بين الناس، ولا سيما خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين إنما أتى من الأفلام، ومن مواقف محددة في الأفلام.

ويتشابه الحال في السينما الغربية
السينما العربية ليست وحدها في هذا المجال. فلا أحد نسي العبارة التي اختتمت بها سكارليت أوهارا فلم “ذهب مع الريح” قبل نحو سبعين عاماً، عندما قالت “غداً يوم آخر”، وكانت تقصد بقولها هذا أنها لن تعود إلى البؤس ثانية. هذه العبارة استخدمت عشرات المرَّات لاحقاً في السينما الغربية في كل مرة يحتاج فيها شخص التعبير عن تفاؤله بغد مشرق ومستقبل مختلف. ومن السينما أصبحت جملة شائعة في الغرب كما في الشرق على ألسنة العامة عندما يكونون في موقف مشابه في جوهره للموقف الذي ظهر للمرة الأولى على شاشة السينما. وحين يخبط بول نيومان طابة البيلياردو في المشهد الأخير من فلم “لون المال”، ويقول: “ها أنا قد عدت”، يعطينا العبارة التي نقتبسها عنه للإعلان عن خروجنا من حزن أو مأساة.

وفي عودة إلى حالنا مع السينما العربية، ألا يستخدم بعضنا بشكل ساخر عبارة: أنا كلمتي ما تنزلش الأرض أبداً.. بس المرّة دي حتنزل” حين يعلن رضوخه لقوة قاهرة ما؟ أو عبارة فريد شوقي القاسية والمريرة التي يقولها في أحد أفلامه: “اشنقوني رحمةً بي…” ألا يقولها كل تعيس حظ حين تضيق به الدنيا؟

يمكن للائحة العبارات هذه أن تطول كثيراً، وقد يكون فاتنا ما هو أكثر رواجاً من العبارات التي عرضناها على سبيل الأمثلة، ومنه مثلاً نداء سعاد حسني الشهير “يا واد يا تقيل” الذي انطلق من فلم “خلِّي بالك من زوزو” ليصل حتى إلى ألسنة المعلقين الرياضيين.

فئات مختلفة من العبارات
لو شئنا أن نحلل هذه الظاهرة اجتماعياً، لتوجب علينا الانطلاق من توزع العبارات التي انتقلت من السينما إلى ألسنة العامة على فئات مختلفة: فهناك أولاً عبارة “مأثورة” تطرح على المستوى الكوميدي لتسجيل موقف معين أو لمجرد إثارة الضحك.

وهناك بعد ذلك عبارات تردد انطلاقاً من لعبة التماهي ما بين الإنسان العادي وبطل الفلم الذي هو عادةً نجمه المفضل. كأن تستخدم فتاة عبارات مقتبسة من سعاد حسني أو نجلاء فتحي أو غيرهما في مواقف حياتية تمر بها تعتبرها مشابهة لمواقف سينمائية مرت بها هذه النجوم. وهناك عبارات تستخدم بشكل تلقائي لأنها منذ ظهورها على الشاشة دخلت في وجدان المتفرجين ووعيهم الباطني، لتصبح جزءاً من هذا الوعي وأسلوب التعامل مع الآخرين.

وأخيراً هناك عبارات تكون ذات دلالة خاصة قد لا تتضح إلا لمستمع يكون قد شاهد الفلم الذي اقتبست منه. ومثل هذه العبارات تستخدم في صراعات لفظية مقصودة، وقد تتضمن إهانات خفية أو تلميحات مبطنة.

ومن الممكن وضع لوائح طويلة تتضمن نماذج من كل هذه العبارات. لكن الأهم من هذا هو معرفة الأولوية التي تجعل من عبارات كهذه جزءاً من الخطاب اليومي للناس. وترتبط هذه الأولوية أول ما ترتبط بالمكانة التي احتلتها السينما في حياة الناس طوال القرن العشرين، وأكثر من ذلك بلعبة التماهي التي أشرنا إليها بين المتفرجين ونجوم السينما.

فالمتفرج إذ يحقق ذاته من خلال إسقاطها على حياة النجم في الواقع وفي السينما، يجد نفسه منقاداً إلى محاكاته فيما يقول. ومن هنا، يجد نفسه يستخدم خطاب البطل. ولاحقاً يبقى هذا الخطاب “المؤلف من مجموعة غير محدودة أو محدودة من العبارات” في الوعي الباطني للمتفرج، ليصبح جزءاً من لغته الخاصة حتى وإن غاب عن باله مجال القول الذي استعيرت العبارة منه.

وما هذا في الحقيقة إلا لأن السينما وحواراتها الخاصة، وهذا أمر لا يجب أن يغيب عن بالنا، اشتغلت على الذهنيات الشعبية في القرن العشرين، وربما تستمر في ذلك في القرن الحالي، أكثر مما اشتغل أي مجال فني على الإطلاق، باستثناء الأغنية التي هي في أحيان كثيرة جزء من السينما نفسها.

فإذا كان الأهل يعلِّمون الصغار شؤون الحياة، والمدرسة تعلُّمهم شؤون العالم، لا شك في أن السينما والأغنية هما اللتان تصوغان لغتهم المستخدمة في حياتهم اليومية. وكلمة “الصغار” التي نستخدمها هنا يمكن لدلالاتها أن تتسع لتشمل شرائح شعبية واسعة إن وسَّعنا دائرة التحليل، طالما أننا نعرف اقتباساً من تشرشل أن الثقافة هي كل ما يتبقى لنا في أذهاننا بعد أن ننسى كل ما تعلمناه في المدارس والجامعات.

ومن المؤكد أن كلمة ثقافة، حينما تنتقل من الحيِّز النخبوي إلى الحيز الشعبي، تصبح هي هي هذه العبارات والمواقف والتماهيات التي نتحدث عنها.

فعندما يريد الجمهور العريض أن يتكلم وأن يعبِّر عن نفسه، لا يجد أمامه إلا أن يستخدم العبارات المقتبسة من السينما ومن آلاف الأفلام.. تماماً كما كان الجمهور في القرون الوسطى وما بعدها، يستخدم العبارات المأثورة من القصائد.

كلام على قد المقاس
من التلفزيون والإنترنت
بقلم: خالد ربيع السيد*

أن تخرج كلمة من المنتج الفني الدرامي أو الإلكتروني أو الإعلاني وتصبح رهينة التداول اليومي في الحياة العامة، فهذا يعني أن هذه الكلمة لامست وتراً حساساً عند الناس الذين يستعملونها إما لطرافتها اللفظية، وغالباً لدلالتها الموغلة في توصيف حالة معينة مرافقة لموقف ما. فهي بمثابة أمثلة وأقوال شرودة تقال في سياق الكلام، أو تنطق لوحدها عند لحظة معينة تستدعيها، للتشبيه أو للمجاز عن معنى يضمره المتكلم ويكون مفهوماً.. للتندر أو للتنفيس والدعابة وإشارة إلى ما يمكن تشفيره من الكلام.

فقبل نحو ربع قرن انتشر شريط فيديو يتضمن سهرة تلفزيونية سعودية بعنوان “محمود ومحيميد” للوجهين الجديدين ،آنذاك، ناصر القصبي وعبدالله السدحان، ومساندة راشد الشمراني في شخصية “أبي هلال” سائق شاحنة صهريج الماء.. وفي إحدى مشاهد السهرة، يكرر أبو هلال عبارة “إيش قصة أهلك معايا” فإذا بها تنتشر بين العامة، وأصبحت تردد للتعبير عن تذمر شخص من محدثه إذا ألح عليه في أمر ما .. ويوجه أبوهلال، حديثه في السهرة نفسها إلى من يسأله سؤالاً بديهياً بحسب مفهومه، قائلاً له “يامستدلخ” التي دخلت بدورها إلى اللغة المحكية العامة.

الدراما الخليجية لها نصيب
ويحفل تاريخ انتقال الألفاظ والعبارات من الشاشة بعشرات الأمثلة المشابهة. فعند ظهور المسلسل الكويتي “درب الزلق” لعبدالحسين عبدالرضا وسعد الفرج وعبدالعزيز النمش المشهور بـ “أم عليوي”، قبل ما يزيد على 30 سنة، تقول أم عليوي في لقطة رائعة وهي تحمل صينية من الأطعمة الشهية أرسلتها جارتها: “هذا الأكل هذا اللي يربي الكروش”، فذاعت العبارة بين الناس، وأصبحت مرادفة لكل من يرى طعاماً حسناً يشتهيه.

وفي مسرحية “على هامان يا فرعون” يسافر عبدالحسين عبدالرضا إلى السعودية لإحضار كتاب يتناول حياة جد “سعاد العبدالله” من أجل إقناع أبيها “سعد الفرج” وقبوله عريساً لابنته .. يقف عبدالحسين قارئاً من الكتاب عبارة بحر القلزم، فيتساءل “الفرج” وين هذا بحر القلزم؟، يجيبه “عبدالحسين” “يبه صار صخر، صار صخر”، وتذهب العبارة قولاً شائعاً في بلدان الخليج عند الحديث عن أمر قديم.

ورفدت المسلسلات الخليجية الرمضانية ألسنة العامة، في القديم والحديث، بمجموعة من المفردات والعبارات.. في “الإبريق المكسور” كأن يكرر الممثل “خالد العبيد” عبارة “أنا اللي آكل الذهب آكال همممم”، وفي مسلسل “الجوهرة والصياد” كان يقول: “غضب غضب، اللي كلامه كله علامة يصيد عدوه صيد الحمامة يا ولد”، وروَّج محمد المنصور من مسلسله الكوميدي “بوهباش” كلمة طريفة وهي “صُفيقات .. صُفيقات” التي دخلت قاموس الحكي اليومي. وقدَّم الفنان خالد النفيسي مسلسل “الحيالة” الذي قام فيه بدور “مانع” وكرر عبارة “يا جليلين الحيا”، والممثل أحمد السلمان في مسلسل “الحريم” أطلق عبارة “دربك أخضر”، والممثلة شيماء علي أهدت الى لغة الفتيات الرقيقات عبارة “ياربي شكثر أعاني”. وفرض ناصر الصيرفي كلمة “صادوه” بقوة على كل من يصنع مقلباً بآخر.

والدراما المصرية أيضاً
ولا يغيب عنَّا ما نقلته الدراما والمسرح والسينما المصرية إلى الشارع. فهناك مسرحيات بعينها كان لها التأثير الأكبر في ترويج المفردات وجعلها متداولة، وعلى سبيل المثال لا الحصر: مسرحية “المتزوجون” التي روجت عبارة “اللي واكل فول بيبان عليه”، ومن مسرحية “شاهد ما شفش حاجة” “دنا غلبان” أو عبارة “دنا بخاف من الكلب يطلعلي أسد؟”، ومن العيال كبرت على لسان سعيد صالح “يا سيدي أهو كله برطآآن (برتقال)”.

وأثرت الأفلام المصرية بمئات الكلمات والجمل ولا مجال لسردها هنا، ولكننا نذكر كلمة “أوكين” التي أطلقها سمير سيف في إحدى مسلسلاته وتحولت بعد فترة الى “أوكيشن” ..وروَّج إبراهيم نصر من خلال برنامجه الفكاهي “الكاميرا الخفية” عدة ألفاظ في اللغة اليومية: “أوعى الجمبري يعضك”، “انفخ البلالين”، “بلاش نخبط في الحلل”.. والملاحظ أن تأثير الدراما المصرية يصل إلى مختلف أنحاء العالم العربي، من خلال رواج المسلسلات التلفزيونية بشكل خاص على كافة القنوات التلفزيونية في المشرق كما في المغرب.

طاش ولغة الحارة
وكان لـ “طاش ما طاش” التأثير الأكبر في نقل كلمات الشاشة إلى التداول العام، ربما بسبب اقتراب حلقاته من حياة الناس البسطاء في الحارة والحي الشعبي.. في إحدى الحلقات ، قلب محمد العيسى وجهه وقال بتأفف كوميدي ساخر، بعد أن أخذ علقة ساخنة في مجريات الحلقة.. “قم بس قم”. فلم يكتف الناس بترديدها بل طبعوها كملصق على سياراتهم، وعبارة “ما عندك ما عند جددتي”، التي قالها العيسى استخفافاً بمعلومات من يحدثه، فدخلت إلى القاموس الشعبي وأصبح الشباب يرددونها كلما صادفت المناسبة. وأيضاً عبارة “إيس فيه” التي أطلقها السدحان وهو يؤدي دور العامل الآسيوي، ولم يغب عن المشاهد التقاط عبارة “طقطقة ووناسة” التي تكررت في “تتر طاش” سنة 2006م، ومفردة “دقيزة” التي قالها يوسف الجراح، بينما كان يؤدي دور الحجازي الذي يحاول نطق كلمة “دقيقة” بالطريقة النجدية. لا سيما وهو المشهور بهتافه الطريف “يا أم أيمن هاتي الشيشية” التي انتشرت في المطاعم عندما ينادي الزبون على النادل المتأخر في إحضار الطلب.. كذلك عبارة “إنت إيش تشتغل؟”، ونبذة ناصر القصبي في شخصية فؤاد “بلا في شكلك”. وقول السدحان في حلقة الأسهم (بع، بع، بع).

ومن مسلسل “بيني وبينك” راجت عبارات مثل “زحلطن”، و”في تيه القفا تاك” التي كان يكررها الممثل حسن عسيري، وهتاف “بالروه بالدم نفديك ياوسيلي” الذي أصبح هتافاً تشجيعياً للاعبي كرة القدم في الأحياء الشعبية.

لغة الدردشة الإلكترونية
والإعلانات إلى الشارع أيضاً
في مضمار آخر، وشاشة أخرى هي شاشة الكمبيوتر، استحدثت تعابير للاستخدام عبر محادثات “الشات” و”المسنجر”. وسرعان ما انتقلت إلى التدوال العام، والشباب منهم على وجه الخصوص. فمثلاً إذا قال أحدهم “برب” فيجب أن يكون الرد عليه “تيت”، فهذه المفردات تستخدم كثيراً في الدردشة عبر الإنترنت. وكلمة “برب” تقال بمثابة استئذان وتعني سأعود قريباً (BRB هي اختصار Be Right Back)، أما “تيت” فتعني خذ كفايتك من الوقت (TYT واختصار للعبارة الإنجليزية Take Your Time).. ومن عرف “تيت وبرب” لابد أنه يعرف “لول”، التي تعد بديلاً عن الضحكة، فتكتب كرد فعل حينما يخبرك الطرف الآخر ما يستدعي الضحك، وتعني ضحك بصوت مرتفع (LOL اختصار Laughing Out Loud).. هذه المفردات وغيرها أصبحت تكرر في أروقة الجامعات بين الطلبة وكأنها لغة بديلة استحدثها ونماها الشباب (الكول).

لكن للإعلانات والعبارات الدعائية قصة أخرى، لاسيما إذا ما سلمنا بوصفها منتجاً فنياً مقدماً في سياق درامي، وينتج للتأثير بعمق في الجمهور بهدف الجذب الاستهلاكي.. وهكذا، أنتجت الدعاية مفردات وعبارات دخلت صميم اللغة المحكية عن الشباب والعامة باختلاف طبقاتهم، فلا ينسى القارئ عبارة “خليها فله” التي أطلقتها إحدى الشركات للترويج عن منتجها فإذا بها تصبح شعاراً شبابياً رائجاً.

وقبل فترة ليست بعيدة ملأت إحدى شركات المأكولات السريعة الشوارع ووسائل الإعلام بعبارة “الطيب للطيب”، فإذا بها تقال في كل مناسبة وليست لتناول الطعام فقط. وفي سنوات سابقة من الثمانينيات ظهرت عبارة إعلانية عن سيارات تويوتا: “كل ما تتمناه تويوتا تدركه”، فأخذ الناس يرددونها باستبدال كلمة تويوتا بما يلائم الموقف المراد امتداحه، وصادف وقتها أن تأهل فريق المنتخب السعودي لتصفيات كأس آسيا، وكان ماجد عبدالله بطل وكابتن الفريق، وفي إحدى المباريات حقق ماجد هدفين، فهتف المعلِّق الرياضي المرحوم محمد رمضان بأعلى صوته “ياماآآآجد، يا حبيبي يا ماجد، صحيح كل ما يتمناه ماجد عبد الله يدركه”.

هوية المقتبس منه
لازمات غربية وليست غريبة!
بقلم: نادين صبري*

ثمة اختلاف ما بين انتقال عبارة ما من مسلسل تلفزيوني أو فلم سينمائي عربي إلى ألسنتنا من جهة، وانتقال عبارات ومفردات من مصادر أجنبية (إنجليزية وفرنسية غالباً) إلى لغتنا المحكية من جهة أخرى.

والحديث هنا ليس تعبيراً عن الامتعاض من أولئك الذين أدغموا الحروف العربية بأخرى أجنبية في عقر دارنا، فهذا بحثٌ آخر يمكن أن يضطلع به المدافعون عن اللغة. الحديث هنا تحديداً عن السبب الذي يدفعنا إلى استخدام عبارات غربية وإلحاقها بحوارات عربية صميمة في حياتنا اليومية.

الحوار الفني العربي هو امتداد لنا، يعبر ويلتقط ويجزم وينتفض ويلخص من نحن، وما نمر به. عندما يصرخ سعيد صالح “هو فين السؤال؟” ويتهكم عادل إمام: “14 سنة في ثانوي وتقلي أوقف” في “مدرسة المشاغبين”، أو يرق سمير غانم ويقول “صرصار حبنا” في “المتزوجون”، وعندما يلقي السلام محمد سعد “صبَّح صبَّح يا عمي الحاج” في “اللمبي”، وعندما يتساءل يوسف الجراح “إيش بك يا فؤاد؟” في “طاش ما طاش”.. كل هذا وأكثر منه بكثير صدى لنا، لهمومنا ولسخريتنا المرة أو المتسامحة من واقعنا ومن أنفسنا. وبالتالي، تصبح عودة هذه العبارات الهاربة إلى سياقها وهو حديثنا اليومي أمراً طبيعياً.

التوحد مع ثقافة انغمسنا بها
أما بالنسبة للعبارات الأجنبية المستقاة من المسلسلات والأفلام الغربية، فالأمر يختلف. نلتقط هذه العبارات للتعبير عن حالة تلبستنا من التوحد الأبكم، ليس بالضرورة مع شخصية المسلسل التي قالتها، وإنما أحياناً مع شخصية المشاهد الذي نتمنى أن نكونه! منا من يسعد باعتناق نمط الثقافة الأمريكية على سبيل المثال، وتصبح المشكلات أو الدعابات الأمريكية الخالصة مساحة فانتازية يمارس فيها هوايته. فيتفهم كما يشير الدكتور أحمد خالد توفيق في مقال له بعنوان “عن ماكدونالد والبطة دونالد”، مشكلة طالبة الثانوية عندما تضطر للذهاب إلى الحفل السنوي الراقص من دون رفيق، أو صعوبة إتقان البيسبول من قِبل الصبي الصغير.. ويصبح استخدامه للعبارات المتناثرة في المسلسلات والأفلام جزءاً من ممارسة الهواية.

أحياناً أخرى، يكون استخدامنا لهذه العبارات جزءاً من توحدنا مع الثقافة التي انغمسنا فيها لسبب أو لآخر، وأتى انفعالنا بأحداث المسلسل التي قد لا تكون في هيكلها العام معبرة عنا، وكأنما هو جواز مرور يسمح لنا بالتفاعل الحي المباشر مع هذه الثقافة عبر اقتباس مقاطع من أحاديث أناسها في حديثنا اليومي. فعندما نستعير عبارة كورتني كوكس في المسلسل التلفزيوني “فريندز” “!I Know” أو عبارة كاثرين هيجل “..Seriously.. Seriously” في المسلسل التلفزيوني “جرايز آناتومي”، فإن هذه الاستعارة أو الاقتباس أو حتى الانتشال ليس بالضرورة تعبيراً عن إعجاب أعمى بهذه الثقافة واندفاعاً أحمقاً وراء التمسك بأهدابها، وإنما يمكن أن يكون تجاوباً مع جزء ما في كياننا تعرض لموجات من هذه الثقافة أسهمت في بناء زواياه. وبهذا لا يكون استخدامنا لمثل هذه العبارات هو فقط تعبير حقيقي عنَّا، بل هو أيضاً فعلٌ مقصود أشبه بنداء استغاثة لنتعرف به بين الجموع على آخرين، هويتهم عربية لا شك فيها، وإنما يجمعنا بهم أيضاً تأثرهم بمزاج الثقافة الأخرى.

فقد ذكر الناقد السينمائي الأمريكي ريتشارد شكيل في مقال نشره الموقع الإلكتروني “نيويورك برس” أن اللازمات الناجحة هي تلك التي يمكن أن تتماشى مجازياً مع كثير من المواقف في حياتنا، ولدى الناس جوع لعبارات كفؤة وذكية ولمَّاحة يمكن أن يستعينوا بها للتعبير عما يواجهوه في حياتهم اليومية. وإن أخذنا بتفسير شكيل لاستخدامنا مثل هذه اللازمات -عربية كانت أم غربية- فيمكن لنا القول أن اللغة في حد ذاتها، بصفتها وعاءً للتعبير، لا تشكل أهمية هنا، بقدر ما يشكلها المعنى.

أضف تعليق

التعليقات