بيئة وعلوم

أشجار في الهواء

  • shutterstock_74007760
  • 98312697
  • 118229157
  • shutterstock_30877051

ليس من الضروري أن يكون لديك حديقة كي تزرع زهرة، لكن من الضروري أن يكون لديك تربة وماء لتزرع هذه الزهرة. ماذا لو أخبرتك روناء المصري في هذا الموضوع أنك لكي تزرع خضراواتك المنزلية وشجيراتك الصغيرة وحتى أزهارك لن تحتاج بعد اليوم إلى التربة؟!
يمكن إنشاء وحدات إنتاج للخضراوات على أسطح البنايات الضخمة وعلى منصات التنقيب عن البترول في عرض البحار وكذلك في الغواصات المائية

ما هو تعريف الحياة؟ هناك تعريف علمي وآخر يمكن الإحساس به حين نمعن النظر في كل ما حولنا من طبيعة، مثل المزروعات الخضراء أو الحيوانات أو الأسماك، وبالطبع الإنسان. وبما أن العلم أجمع على أن الماء هو أساس وجود الحياة، فلا يمكننا بأي حال أن نغفل ذكره عندما نتحدث عن الحياة، ولكننا نستطيع الاستغناء عن وجود التربة أحياناً فالحياة في المحيطات لا تتطلب وجود يابسة أو مراعٍ أو جبال، وبهذا الشكل صرنا نتحدث عن حياة بدون تربة! بدت الفكرة غريبة بعض الشيء في البداية، لكن بقليل من القراءة في أبحاث الفضاء أو حتى في أبحاث الأرض، تجد أن هناك إمكانية أن تظل الحياة موجودة على كوكب مائي تماماً، بدون تربة، وهو ما يحاول العلماء الكشف عنه، فلا مانع مثلاً من أن نجد عمليات تهجير مستقبلية إلى كوكب آخر لمجرد أن فوق سطحه ماء، وأن هناك بيوتاً يمكن بناؤها في الماء أو تحت أعماق سحيقة، وأن هناك حيوانات ومراعي خضراء يمكن إنباتها في الماء أيضاً. لكن بما أن الخيال متاح ومباح، لن أستمر في الانسياق خلفه، وعوضاً عن ذلك سأقدم تجربة أكثر واقعية يمكن أن نتقبل وجودها في حياتنا على كوكب الأرض بدون الحاجة إلى الهجرة إلى أرض جديدة. تعتمد الفكرة على استغلال الأسطح المنزلية أو حتى البلكونات الضيقة أو الأماكن الداخلية في المنازل، وحتى الأماكن غير المستخدمة في المصالح الحكومية أو الشركات في تكوين مزارع نباتية لا تعتمد على الطقس أو حتى على وجود تربة، فقط تعتمد على الماء. هذه التقنية معروفة باسم الزراعة بالماء وبدون تربة أو علمياً Hydroponic.

اجتماع أسري
مع ضغط الحياة وإيقاعها السريع أصبح الجميع يلهث وراء توفير لقمة العيش «هكذا نطلق على الأعمال اليومية»، ومع صيحات التحذير والوعيد بأن مواردنا المتاحة فوق الأرض لن تكفي احتياجاتنا اليومية من طعام وشراب، بدت الحاجة ملحة أمام العلماء في البحث عن سبل جديدة للزراعة بحيث تحقق كل أسرة اكتفاءها الذاتي من لقمة العيش، وتعتمد على نفسها في تحقيق معادلة الغذاء الصحي والطازج، بل وتصبح الأسرة أسرة منتجة بدلاً من كونها أسرة مستهلكة فقط، وبدت لي هذه الطموحات والأفكار بمنزلة حل جديد ووسيلة جديدة لكي تجتمع الأسرة العربية مرة أخرى في مواعيد منظمة وعلى هدف واحد، وأن يلتقي الجميع دون الشعور بأن الوقت الذي يمضيه الأفراد في محيط أسرتهم هو وقت مستقطع بخسارة مادية، بل سيحتل أولوية ما في أجندة الأعمال اليومية عندما يتحقق خلال هذا الوقت استثمار للموارد المتاحة للأسرة بدون أعباء إضافية، فاحتياجات هذا المشروع لا تتكلف الكثير ولا تحتاج إلى الكثير من المتطلبات بل يعتمد في الأساس على البحث في الأشياء القديمة المستعملة، بغرض إعادة توظيفها من جديد.

القديم الجديد
هل قررت التخلص من حوض الاستحمام القديم وأن تستبدل به حوضاً كبيراً وحديثاً؟
إذن فكر مرة أخرى قبل أن تلقي به إلى الشارع، فهذا الحوض قد يكون نواة لمشروع يدر ربحاً، ويحقق اكتفاء ذاتياً من الخضراوات اليومية الطازجة مثل الخس، والبقدونس، والكزبرة، وإكليل الجبل، والريحان والجرجير، وغيرها من الأعشاب التي اندثرت من طعامنا على الرغم من فوائدها الصحية الجمة، ولكن ليست هذه كل المحاصيل التي يمكن أن نزرعها داخل الحوض القديم، فهناك المحاصيل الثمرية مثل الطماطم، والخيار، والفاصوليا والفلفل، وغيرها من المحاصيل التي لا يمكن الاستغناء عنها يومياً في كل الوجبات الثلاث، لكن هنا تزيد ميزة كونها طازجة ونظيفة وغير مسرطنة لأنها لم تعامل بالمبيدات، كما أنها تحت إشراف سيدة المنزل ورب المنزل وأهل المنزل جميعهم، فلها بالتأكيد مذاق خاص جدًا!!

ولكن ماذا لو لم يكن لديك حوض استحمام قديم؟
هناك بدائل متعددة وكثيرة تتيح لك فرصة زراعة الخضراوات منزلياً حتى بدون أن يكون لديك مكان بالمعنى المفهوم أو مساحة تسمح للزراعة، فبعض المنازل لها أسطح كبيرة وخاوية، عادة ما تخصص لخزانات المياه أو لأطباق الاتصالات، واليوم ستضاف إليها مهمة جديدة وهي تحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل المهمة في التغذية، وعلى هذه الأسطح يمكن الزراعة داخل أنابيب تجري فيها المياه حاملة معها المغذيات السمادية للنباتات في دورة مغلقة وبحيث يصبح من الممكن الحصول على منتجات غنية وشهية من الخضراوات.
ولكن ماذا لو لم تكن هناك أسطح في المنازل؟
أضف إلى قائمة البدائل المتاحة بديلاً جديداً وهو الأركان المنزلية التي عادة ما تتزين بنباتات للزينة لا يكون لها استخدام حقيقي، ناهيك عن ارتفاع تكلفة بعض أنواعها مادياً، وهنا يمكن البدء بتغيير مفاهيمنا عن التجميل المنزلي بالنباتات عن طريق أن نستبدل بتلك السلالات نباتات أخرى من المحاصيل ذات الاستخدامات اليومية، وبعضها له رائحة جميلة حقاً مثل الريحان، أو البقدونس، أو النعناع، الأمر الذي يضفي رونقاً ورائحة عطرية جميلة داخل المنزل، بل إن حواء بحبها للجمال يمكنها أن تستخدم بعض مواد تجميلها مثل «حجر الخفاف» الذي تستخدمه في الحفاظ على جمال قدميها لتزرع على سطحه نباتات ذات قيمة اقتصادية مفيدة!

كما يمكن الاستعانة بجزء قليل داخل المنزل في منطقة جيدة الإضاءة بجانب النوافذ لوضع وحدة إنتاج صغرى لا تتعدى مساحتها مترين مربعين إلى 3 أمتار مربعة لإنتاج احتياجات أسرة مكونة من 3 أفراد إلى 5 أفراد اعتماداً على الزراعة من دون تربة.

من الفكرة إلى التطبيق
ما هي متطلبات الزراعة المنزلية؟
دعونا نتفق أولاً على أن أي مشروع بحاجة إلى طاقة تشغيل، هذه الطاقة متوافرة في المنزل لأنها قادمة من الكهرباء المنزلية والتي يدفع أجرتها رب المنزل شهرياً، وعادة ما تشكو الأسر العربية من أن الكهرباء لا يتم ترشيدها بشكل حقيقي، وأن جزءًا منها يتم إهداره بشكل كبير دون فائدة حقيقية، وهنا يأتي دور الزراعة المنزلية إذ تعد تدريباً جديداً لكل أفراد الأسرة على ترشيد استهلاكهم للطاقة حتى الطاقة الشمسية التي تدخل إلى منزلهم كل صباح. فالنبات كالطفل يحتاج إلى رعاية وملاحظة، ويبدو أن اهتمام الإنسان بشيء حي هو فطرة داخله يتعاطف معها ويهتم لأجلها وإلا ما زاد الشغف باقتناء الحيوانات الأليفة، أو حتى بوجود زراعات الزينة المنزلية، وعندما يرتبط الأمر بالغذاء فإن الاهتمام يزيد بطبيعة الحال. هكذا وفرنا أول مطلب لبدء التشغيل..
المشروع في خطوات ينبغي توافر الآتي:
1 الماء، موجود داخل كل المنازل.
2: الكهرباء، كما ذكرنا سابقاً.
3 خزان للسماد، حيث يتم وضع المحلول المغذي به مخلوطاً بكميات مناسبة وأنواع مختلفة من الأسمدة الزراعية التي تسمح بزراعة أكثر من منتج في الوقت نفسه وبالسماد نفسه.
4 أنابيب متصلة بالخزان وبها ثقوب خاصة تسمح للنبات بامتصاص المحلول المغذي منها، وهذه الأنابيب تشكل دورة كاملة تبدأ من الخزان المغذي وتمر بكل النباتات، ثم تعود إليه مرة أخرى حتى يتم تحميلها بالمحلول المغذي ثانية.
5 متابعة ومراقبة بالتناوب من أهل المنزل. ويفضل أن تجهز الأسطح لحمايتها بعمل صوبة من هيكل حديدي وتغطيتها بالبلاستيك، ومحاولة إضافة خلايا التبريد من الكرتون التي يمر عليها الماء، وهذا من جهة الشمال، وفي الجنوب يتم تركيب مراوح شفط لسحب الهواء الساخن من داخل المحمية ويحل محله هواء مبرد بالماء. وهذه وسيلة خفض درجة الحرارة بالمحمية خلال أشهر الصيف. كما أن هناك الفوائد التي يمكن الحصول عليها من تطبيق هذا النظام داخل الأسرة العربية يتلخص في نقاط عدة أولها حصول الأسرة على الغذاء، أو جزء منه، طازجاً ونظيفاً وخالياً من المبيدات، وهي بمنزلة تدريب عملي على ثقافة الترشيد، حيث نقطف ما نحتاج إليه فقط لإعداد الوجبة، بالإضافة إلى كونها تدريباً عملياً على الانتماء لجميع الأشياء حولنا وهي مصدر موفر لنفقات الأسرة، بل ويمكن أن يكون مصدر دخل للأسرة لو تم إدارته بصورة تجارية.

لماذا الزراعة بدون تربة؟
هل ستصبح الزراعة بدون تربة حلاً جذرياً لمشكلة تناقص الغذاء وقلة الموارد، ومشاكل التغيرات المناخية؟ كان هذا السؤال المركب يحمل إجابة للسؤال الأساس، لماذا الزراعة بدون تربة؟

إنتاج الخضراوات منزلياً هو أحد صور التنمية المستدامة التي يتحقق من خلالها توافر بعض عناصر الغذاء الذي تستهلكه الأسرة بصورة يومية، ويكون المنتج طازجاً وبذا نحقق الأمن والأمان الغذائي.

والصورة الثانية للاستدامة هي اشتراك أفراد الأسرة في عملية الزراعة والعناية بالمزروعات، مما يحقق العديد من الفوائد الاجتماعية، منها بالأرقام والبيانات العلمية كما دلنا عليها الدكتور أشرف عمران، خبير الزراعة بدون تربة، ومدير مركز البحوث والتطوير في المجلس الاقتصادي الأفريقي:
الزراعة بدون تربة توفر المياه حيث إننا لا نحتاج أكثر من 10-15 % من كمية المياه المستخدمة في الزراعة التقليدية.

توفر استخدامات الأسمدة حيث لا نستهلك أكثر من
-15 20 % من الأسمدة المستخدمة في الطرق التقليدية.

قلة استخدام الأسمدة يجعل الزراعة بدون تربة صديقة للبيئة، حيث لا تستخدم فيها أسمدة كثيرة، وبالتالي تعطينا منتجاً آمنا صحياً نظراً لعدم وجود أي ترسبات من الأسمدة الزائدة بالثمار هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن عدم إضافة الأسمدة للتربة تمنع تلوث التربة وبالتالي نحمي تلوث المياه الجوفية بسبب ترسيب الأسمدة في الزراعة التقليدية لمياه المخزون الجوفي.

تقدم منتجاً نظيفاً وموفراً للعمالة المستخدمة
لضمان عدم نمو حشائش، والتي يجب إزالتها بالعمال وبالتالي لسنا مضطرين لرش مبيدات حشائش.

توفير الوقت، حيث إن معدل نمو النباتات
في الزراعة بدون تربة يمتاز بسرعة نموه. على سبيل المثال لإنبات الخس نحتاج من -25 30 يوماً بالزراعة بدون تربة، بينما في الزراعة بالتربة الطبيعية يستلزم 60 يوماً إلى 70.

له ميزة تسويق حيث يوجد تماثل في الأحجام لجميع الرؤوس المنتجة لتشابه ظروف إنتاجها.

يمكن التحكم في ظروف الزراعة بدون تربة وإدارة عنصر التسميد بها، مما يضيف ميزة إلى مواصفات الثمار المنتجة لتكون في صورة أفضل بكثير من الزراعة التقليدية أو الزراعة في البيوت المحمية.

تزيد معدلات الإنتاج مقارنة
بالزراعة التقليدية.

يمكن إنتاج الكثير من المحاصيل طول العام وبالكفاءة نفسها.

قلة استخدام المبيدات، حيث لا توجد تربة وبالتالي لا توجد آفات في التربة يجب مكافحتها.
حل جذري لندرة الأرض أو سوء حالتها، حيث يمكن أن نقوم بإنشاء المزارع المائية على أي نوع من التربة سواء الملحية، غير الصالحة،أو التربة الصخرية.

حلول بديلة حيث يمكن إنشاء وحدات إنتاج للخضراوات حتى على أسطح البنايات الضخمة، وعلى بريمات التنقيب عن البترول في عرض البحار، وكذلك في الغواصات المائية، بل لقد استخدمتها وكالة ناسا في سفن الفضاء لإنتاج الخضراوات.
أما الميزة الأخيرة لهذه الطريقة، هي أنها تعد قاعدة اقتصادية استثمارية من الطراز الأول، لو فكرنا أن الشركات والمصانع حتى التي تعاني صعوبة ظروف العمل بها، يمكنها أن تحقق اكتفاءً ذاتياً من المزروعات اليومية بشكل صحي وطازج، وبشكل يحافظ على صحة العامل ويوفر نفقات تلك الشركة من مشتريات، أو من تأمين صحي، فإن الاستثمار في الزراعات المائية يعد المستقبل الأفضل بحق، إذ قدم لنا حلاً اقتصادياً دون الحاجة إلى شرحه بالمعادلات أو النظريات الاقتصادية الجافة والتي قد يصعب فهمها أحياناً.

من النبات إلى الحيوانات
الطريف والعجيب أن تقنيات الزراعة بدون تربة يمكن استخدامها في الحصول على أعلاف صحية دون مبيدات، الأمر الذي يترتب عليه الحصول على لحوم وألبان دون سموم، إضافة إلى قلة المساحات المطلوبة لاستزراع تلك الأعلاف، الأمر الذي قد يعيد التخطيط الزراعي من جديد للأراضي الصالحة للزراعة بزراعتها بمحاصيل ذات أولوية ملحة مثل القمح والذي يعد محصولاً استراتيجياً، وغيره من المحاصيل الاستراتيجية مثل القطن.

وهناك أيضاً إمكانية لتطبيق قواعد ومتطلبات الزراعة نفسها بدون تربة من أجل الاستزراع السمكي والتنمية السمكية داخل أحواض معدة تماماً لهذا الغرض في أماكن غير مستخدمة، الأمر الذي يحقق زيادة إنتاجية كبيرة في اللحوم الطرية، وخاصة في البلدان المحرومة من وجود مسطحات مائية كبيرة، أو قد تفتح مجالاً جديداً في البلدان التي لا تعد فيها الثروة السمكية من ضمن قائمة سلعها التجارية الاقتصادية.

تبدو الأفكار طموحة، سهلة التنفيذ، وفيرة العائد، متعددة المزايا، فهل قررتم زراعة منزلكم اليوم؟

أضف تعليق

التعليقات